الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رسم القرآن سنة متبعة -كما نص على ذلك علماء الرسم- أي أنه توقيفي قال به الصحابة -رضي الله عنهم- وأجمعوا عليه، حيث كتبوه بالرسم الذي كان يكتب عليه في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجوز كتابة المصحف بالإملاء العربي المعروف اليوم، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً، فكما أن القرآن محفوظ بألفاظه وأدائه في الصدور يجب أن يكون محفوظاً كذلك برسمه وخطه في السطور.
فإذا وجدت بعض كلمات القرآن تخالف الإملاء المعروف اليوم، فليس ذلك عبثاً ولا خطأ، وإنما هو لحكمة أرادها الله -سبحانه وتعالى- علم ذلك من علمه وجهله من جهله، فكتابة القرآن نوع من أنواع إعجازه الكثيرة وسر من أسراره المكنونة. قال صاحب كشف العمى:
والخط فيه معجز للناس وحائد عن مقتضى القياس
لا تهتدي لسره الفحول ولا تحوم حوله العقول
قد خصه الله بتلك المنزلة دون جميع الكتب المنزلة
وقد حاول علماء رسم القرآن توجيه خط المصحف، وذكروا من ذلك أشياء عجيبة وأسراراً خفية، ولكنه -كما قلت- يظل سراً من أسرار القرآن ووجهاً من وجوه إعجازه.
وما ذكره السائل الكريم أن كلمة الصلاة تكتب بالواو في القرآن الكريم إذا أفردت ولم تضف إلى ضمير مثل صلاتهم...
فلعل ذلك -والله أعلم- للتنبيه على أوجه القراءة، ففي بعض القراءات يقرأ الصلاة -مثلا-ً بالجمع - أي بمعنى الصلوات، وفي بعضها تقرأ بالإفراد الصلاة.
ولعل من أسباب كتابتها بالواو كذلك التنبيه على أصل مادتها، وأن ألفها منقلبة عن واو، أي أن لام الفعل منها واو.
وأما الألف الصغيرة التي توضع فوق الواو في المصحف، فهذه من الضبط وليست من الرسم، ويعني أن الصحابة لم يضعوها، وإنما وضعها علماء الرسم والقراءة بعد عهد الصحابة للدلالة على أن هذه الواو لا تقرأ، وإنما تقرأ ألفاً، ولهذا وضعوها فوق الواو صغيرة ليتميز رسم الصحابة عن ضبط غيرهم.
أما إذا كانت الواو مقروءة، فإن الألف توضع أمامها صغيرة لتكون مداً للواو المقروءة.
ومثال ذلك: الصلاة، إذا قرئت بالإفراد تكون هكذا "الصلواة" بحيث يكون الألف فوق الواو، وإذا قرئت بالجمع يكون ضبطها هكذا: الصلوات.
والله أعلم.