الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إثبات الكرامات للأولياء مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الواسطية: وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ: التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يُجْرِي اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَاتِ، وَكَالْمَأْثُورِ عَنْ سَالِفِ الْأُمَمِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الْأُمَّةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. انتهى.
وأما عن الفرق بينها وبين خوارق المشعوذين والسحرة: فإن الكرامة إنما تكون رحمة للخلق ونصرة للحق، وصاحبها يكون معروفا بالاستقامة على الشرع وحفظ حدوده، وأما من خرقت له العادة وليس على هذا الوصف فليس فعله من باب الكرامة ولا كرامة، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عن الليث بن سعد والشافعي ـ رحمهما الله ـ قولهما: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. اهـ.
وقال أبو اليزيد البسطامي: لله خلق كثير يمشون على الماء ولا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود. ذكره الذهبي في السير.
وراجع كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فإنه مهم جدا في بابه فقد قال فيه: الإيمان والتقوى سبب كرامات الأنبياء، وأيضا كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى، فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان، فهو من خوارق أعداء الله، لا من كرامات أولياء الله، فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة، والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء، وإنما تحصل عند الشرك، مثل دعاء الميت، والغائب، أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات، كالحيات، والزنابير، والخنافس، والدم، وغيره من النجاسات، ومثل الغناء، والرقص، لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان فيرقص ليلا طويلا، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدا، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن، وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله، قوله تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ـ فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ـ يعني تركت العمل بها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشفى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية.. انتهى.
وأما عن التصديق: فإن من حدث عن شيء وكان معروفا بالتقوى والصدق فالأصل حمل خبره على الصدق، وقد يصدق المشعوذ أحيانا فيخبر بما يوافق الحق ويكون ذلك مما يخطفه الجن من خبر السماء، ولكن ذلك لا يبيح تصديقه ولا سؤاله ولا إتيانه، إذ لا ندري لعل خبره الذي حدث به من أكاذيبه وأكاذيب أعوانه من الشياطين، ولا يعد ذلك كرامة له ما دام معروفا بالفسق، ففي الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان؟ فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله؛ إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. متفق عليه.
وفي حديث مسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.
وراجع الفتوى رقم: 173829.
والله أعلم.