الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أولا أن تحسن الظن بصاحبك، فلعله أدار وجهه عنك، لأنه لم يستطع أن يساعدك في الحصول على عمل فاستحيى أن يقابلك، أو غير ذلك من الأمور التي يعذر بها وتخفى علينا، وعلى فرض أنه قد وقع بينكما شيء من التنافر والتباعد وعدم الكلام في ذلك الموقف الذي التقيته به، فإنكما إذا لم تلتقيا بعده فلا يجب عليكما السعي للالتقاء ببعضكما ولا يعد ذلك من الهجر المحرم، وإنما المحرم هو عدم السلام عند التلاقي، ويدل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت... الحديث.
قال القاضي عياض: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم الذي هو ترك السلام، والإعراض عند اللقاء. انتهى.
ولا ينطبق عليكما الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم، لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا ـ أي: أخِّرواـ هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا. أخرجه مسلم.
فهذا الحديث في حق المتهاجرين، كما جاء في الرواية الأخرى، والهجر المنهي عنه شرعًا يزول بالسلام، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو المرجح عندنا، لظاهر حديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
قال ابن حجر: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده. انتهى.
وقال النووي: قال مالك، والشافعي، والجمهور: وتزول الهجرة بمجرد سلامه عليه، وهو ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 128191، ورقم: 250408.
والله أعلم.