الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرحام الذين تجب صلتهم وتحرم قطيعتهم، مختلف فيهم بين أهل العلم، وقد فصلنا في الفتوى رقم: 11449، أقوال العلماء فيهم مع الأدلة.
والذي نميل إليه أن المقصود بهم كل من يدلي بقرابة من جهة الأب أو الأم، يقول العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ مفصلا في الأرحام ومعددا من يطلق عليهم هذا اللفظ: الأرحام هم الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب، فالآباء والأمهات والأجداد والجدات أرحام، والأولاد وأولادهم من ذكور وإناث وأولاد البنات كلهم أرحام، وهكذا الإخوة والأخوات وأولادهم أرحام، وهكذا الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم أرحام، داخلون كلهم في قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ـ وداخلون في قوله سبحانه وتعالى متوعداً لأهل القطيعة بقوله عز وجل: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23ـ22} سورة محمد، وداخلون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع الرحم ـ وداخلون في قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه ـ وداخلون في قوله عليه الصلاة والسلام: لما خلق الله الخلق قامت الرحم فقالت: يا رب؛ هذا مقام العائذ من القطيعة، فقال جل وعلا: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك، فقالت: بلى يا رب، فقال: ذلكِ لكِ ـ وفي لفظٍ قال جل وعلا: من وصلها وصلته ومن قطعتها... فالواجب على كل مسلم أن يعتني بالرحم وأن يصل أرحامه وأن يحسن إلى أرحامه وقراباته. اهـ.
وبهذا تعلمين أن العمة من الرضاعة ومن على شاكلتها ليسوا داخلين في الأرحام الذين تجب صلتهم إلا من باب الرحم العامة لجميع المسلمين على الراجح، يقول القرطبي رحمه الله: الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة، وترك مضادتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة فهي: رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة، وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. اهـ.
ولا يعني ذلك عدم إكرام الإخوة أو الأعمام من الرضاعة.. بل الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم ـ كما يروي أصحاب السير ـ احتفاؤه بأخته من الرضاعة الشيماء، حيث فرش لها رداءه إكراما لها عندما قدمت إليه، فينبغي ـ إذن ـ الإحسان إلى عمتك من الرضاعة وإكرامها إذا زارتك أو التقيت بها، ولا يلزمك صلتها بحيث تكونين آثمة عند قطيعتها، وانظري الفتويين رقم: 55174، ورقم: 56566.
والله أعلم.