الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ الفرج المذكور في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {المؤمنون:5}. لا يقتصر على حفظه عن الفروج في النكاح، حتى يصح قولك إنه ليس له علاقة بتحريم الاستمناء، بل إن حمله على ذلك فقط تقييد، أو تخصيص بلا دليل.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: فَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - قَالَ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ إِلَّا النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ. وَصَرَّحَ بِرَفْعِ الْمَلَامَةِ فِي عَدَمِ حِفْظِ الْفَرْجِ، عَنِ الزَّوْجَةِ، وَالْمَمْلُوكَةِ فَقَطْ، ثُمَّ جَاءَ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ شَامِلَةٍ لِغَيْرِ النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، دَالَّةٍ عَلَى الْمَنْعِ هِيَ قَوْلُهُ: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [23 7]. وَهَذَا الْعُمُومُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ، نَاكِحَ يَدِهِ، وَظَاهِرُ عُمُومِ الْقُرْآنِ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، إِلَّا لِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، أَمَّا الْقِيَاسُ الْمُخَالِفُ لَهُ، فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، كَمَا أَوْضَحْنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. انتهى.
وقد استدل بهذه الآية على تحريم الاستمناء جماهير الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة الذين لا يحصون كثرة، وقد سار على القول بالتحريم والاستدلال بهذه الآية المباركة جمع من علماء العصر كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- وقد مضى كلامه، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، وغيرهم.
وأما ردك عمن استدل على تحريم الاستمناء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) فرد غير صحيح، فإن الرياضة، وإشغال النفس –عن الحرام- والصحبة الصالحة، وعدم الاختلاط ليس فيها إفراغ الشهوة كما في الزواج والاستمناء، وإنما فيها حبس لها، فلا يصح استدلالك بعدم ذكرها في الحديث على عدم تحريم الاستمناء. وكذلك يقال إن الاستدلال بهذا الحديث مرتبط بالآية السابقة في حفظ الفرج، فإنها دلت بعمومها على تحريم الاستمناء كما سبق، فلو كان هذا العموم غير مراد من الآية، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاستمناء من ضمن الحلول الجائزة للشباب غير القادر على الزواج، ففي عدم ذكره له، تأكيد لمعنى العموم في الآية.
وأما قولك: (ولو كان الصبر، والصيام الحل الأمثل للقضاء على الشهوة فلماذا شرع الله نكاح الأمة ؟).
فنقول: إن الصبر، والصيام من الحلول المثلى للعاجز عن النكاح، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصوم في قوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. فكأنك باستشكالك هذا، ترد على النبي صلى الله عليه وسلم ذكره لهذا العلاج.
وليس في جواز نكاح الأمة عند العجز عن نكاح الحرة، ما ينافي أن يكون الصيام والصبر من أمثل العلاج في دفع الشهوة عن العاجز عن النكاح مطلقا. ثم إن الصبر عن الشهوة لمن يطيقه خير له من أن ينكح أمة، وذلك بنص القرآن قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [النساء:25].
قال الشيخ السعدي- رحمه الله- في تفسير هذه الآية: ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات، أي: الحرائر، المؤمنات، وخاف على نفسه العَنَت أي: الزنا، والمشقة الكثيرة، فيجوز له نكاح الإماء المملوكات، المؤمنات ...
إلى أن قال: لا يجوز للحر المسلم نكاح أمة إلا بأربعة شروط ذكرها الله: الإيمان بهن، والعفة ظاهرا وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف العنت، فإذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن. ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل؛ لما فيه من تعريض الأولاد للرق، ولما فيه من الدناءة، والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن المحرم إلا بنكاحهن، وجب ذلك. ولهذا قال: { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. انتهى.
وأما قولك: (إن العادة ليست شيئا مستحدثا، فيكون هنالك اختلاف في حكمه).
فلم يقل العلماء إن الاستمناء شيء مستحدث، بل هو معروف من قديم، وكلامهم في حكمه قديم أيضا، وكون الشيء قديما غير مستحدث، لا ينفي عنه وقوع الاختلاف في حكمه، فكم من مسألة قديمة مختلف فيها بين أهل العلم إلى يوم الناس هذا.
وأما قولك: (إن المعاصي التي كانت في عصر الرسول قد جاءت أدلة واضحة –إلى حد ما- على تحريمها).
فقولك: (إلى حد ما) يفهم منه أن بعض المعاصي أدلتها غير واضحة، وليكن الاستمناء واحدا من هذه المعاصي التي أدلتها غير واضحة، فسقط الاستدلال بهذا الكلام على جواز الاستمناء.
ثم إن مسألة وضوح الأدلة على حكم معين، نسبي، يختلف من شخص إلى شخص، ومن عالم إلى عالم، فما كان عند بعضهم غير واضح، كان عند غيرهم واضحا جليا.
وأما قولك: (إن الله سبحانه وتعالى أحل للزوجين كل شيء ما عدا أن يطأها في دبرها، معنى هذا أنه يجوز للمرأة أن تفعل العادة السرية لزوجها بيدها والعكس صحيح).
فنقول إن للرجل أن يستمتع بزوجته بما شاء منها إلا في إحدى حالتين فإنه يمنع من ذلك. الحالة الأولى: إتيانها في دبرها. والحالة الثانية: أن يأتيها في الفرج وهي حائض أو نفساء. فإذا اتقى هاتين الحالتين، فليستمتع كيف شاء ببدن زوجته، ولو بالاستمناء بيدها، أو بأي جزء من بدنها، نص على ذلك أهل العلم.
قال صاحب الإقناع: وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت، على أي صفة كانت إذا كان في القبل، وله الاستمناء بيدها. اهـ.
وأما ما ذكرته من الجانب الصحي: فقد ذكر كثير من أهل الاختصاص مضار الاستمناء على صحة الإنسان، فراجع بعضها في الاستشارتين رقم: 2118492 ، ورقم: 2165222 من قسم الاستشارات من موقعنا، علماً بأن المُجيب طبيب مختص. وراجع كذلك الفتوى رقم: 132132.
ومن المغالطات قولك هنا: (ومن أهم فوائدها أنها تساعد الإنسان على غض البصر)، فكيف يكون الاستمناء مساعدا على غض البصر، وإطلاقه هو المحرك الرئيسي للاستمناء. ولو تصورنا أنه يساعد على غض البصر لكان ذلك في وقت محدد سرعان ما يزول، ليعود إلى إطلاقه مرة أخرى.
وما ذكرته من الجانب العقلي إنما حقيقتها جوانب نفسية، نتجت عن فتح باب الحرام من النظر الحرام، والفعل الحرام، فنحيلك إلى هذه الفتاوى التي تعالجها: 5524، 6995، 23935، 71246، 100870، 165189، 156185.
وأخيرا ننصحك بقراءة كتاب: الانتصار على العادة السرية، وسائل عملية للوقاية والعلاج منها. إعداد: رامي خالد عبد الله الخضر.
والله أعلم.