الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا تفسير العلماء لهذه الآية في الفتويين رقم: 118461، ورقم: 137259.
وقال البغوي في تفسيره: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ.
وذكر ابن جرير الطبري أيضا في تفسيره بعد أن ذكرًا تفسيرًا للآية: نَقَل عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال: حَدَّثني يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ { الرعد: 10} قَالَ: أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَامِرٌ: مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَنَا اتَّبَعْتُكُ؟ قَالَ: أَنْتَ فَارِسٌ {ص:468} أُعْطِيكَ أَعِنَّةَ الْخَيْلِ ـ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَا تَبْغِي؟ قَالَ: لِيَ الشَّرْقُ وَلَكَ الْغَرْبُ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَلِيَ الْوَبَرُ وَلَكَ الْمَدَرُ قَالَ: لَا، قَالَ: لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ إِذًا خَيْلًا وَرِجَالًا، قَالَ: يَمْنَعُكَ اللَّهُ ذَاكَ وَأَبْنَاءُ قِيلَةَ ـ يُرِيدُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ـ قَالَ: فَخَرَجَا فَقَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَنَا لَمُمْكِنًا، لَوْ قَتَلْنَاهُ مَا انْتَطَحَتْ فِيهِ عَنْزَانِ، وَلَرَضُوا بِأَنْ نَعْقِلَهُ لَهُمْ، وَأَحَبُّوا السِّلْمَ وَكَرِهُوا الْحَرْبَ إِذَا رَأَوْا أَمْرًا قَدْ وَقَعَ، فَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ شِئْتَ، فَتَشَاوَرَا، وَقَالَ: ارْجِعْ وَأَنَا أَشْغَلُهُ عَنْكَ بِالْمُجَادَلَةِ، وَكُنْ وَرَاءَهُ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَكَانَا كَذَلِكَ، وَاحِدٌ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ قَالَ: اقْصُصْ عَلَيْنَا قَصَصَكَ قَالَ: مَا يَقُولُ قُرْآنُكَ؟ فَجَعَلَ يُجَادِلُهُ وَيَسْتَبْطِئُهُ حَتَّى قَالَ: مَالَكَ، أَحْشَمْتَ؟ قَالَ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَائِمِ سَيْفِي فَيَبَسَتْ، فَمَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أُحْلَى وَلَا أُمِرَّ وَلَا أُحَرِّكُهَا، قَالَ: فَخَرَجَا فَلَمَّا كَانَا بِالْحَرَّةِ سَمِعَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَخَرَجَا إِلَيْهِمَا، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَأْمَتُهُ وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَا لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ: يَا أَعْوَرُ، يَا خَبِيثُ، يَا أَمْلَخُ، أَنْتَ الَّذِي تَشْتَرِطُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَوْلَا أَنَّكَ فِي أَمَانٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُمْتَ الْمَنْزِلَ حَتَّى ضَرَبْتُ عُنُقَكَ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَبْقِيَنَّ وَكَانَ أَشَدُّ الرَّجُلَيْنِ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا لَمْ يَفْعَلْ بِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: اخْرُجْ أَنْتَ يَا أَرْبَدُ إِلَى نَاحِيَةِ عَذْبَةَ، وَأَخْرُجُ أَنَا إِلَى نَجْدٍ، فَنَجْمَعُ الرِّجَالَ فَنَلْتَقِي عَلَيْهِ فَخَرَجَ أَرْبَدُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّقْمِ بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً مِنَ الصَّيْفِ فِيهَا صَاعِقَةٌ فَأَحْرَقَتْهُ قَالَ: وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْجَرِيرُ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعُونَ، فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا آلَ عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ تَقْتُلُنِي، يَا آلَ عَامِرٍ أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبكْرِ تَقْتُلُنِي، وَمَوْتٌ أَيْضًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ قَيْسٍ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ {الرعد: 10}فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: يَحْفَظُونَهُ {الرعد: 11} تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَقِّبَاتٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ لِهَذَيْنِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ {الرعد: 13} الْآيَةَ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {الرعد: 14}.
ولكن هذا التفسير للآية من عبد الرحمن بن زيد لم يرتضه ابن جرير الطبري، فقال بعد أن نقله بتمامه: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَعَ خِلَافِهِ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. اهـ.
والله أعلم.