هل من الاعتداء الدعاء على الظلمة ومن عاونهم وبرر لهم وفرح بنصرهم؟

3-7-2014 | إسلام ويب

السؤال:
أرجو أن يتسع صدركم لسؤالي، فالله وحده يعلم ما بي من الحزن والبلاء، وزاد عليه الآن الخوف من عقاب الله، فلا يخفى على كل محب لدينه، غيور على إسلامه حال المسلمين في مصر، وسوريا، وبورما، والعراق، وليبيا، وتونس، وغيرها من بلاد المسلمين، والله إن في قلبي حرقة، وألمًا، وأعيش على أمل أن أرى في الظالمين ومن رضي بفعلهم، وصدقهم جميعًا عقاب الله، وأنا أراهم فرحين بقتل واعتقال إخوانهم المسلمين، أو أراهم يؤيدون قاتلهم، ويعترفون أنه قاتلهم، ومن وجهة نظرهم أن ذلك فيه مصلحة فأباحوا الخروج على حاكم أراد تطبيق شرع الله، ويحرمونه على قاتل الركع السجود، فلولاهم ما ظلموا ـ حسبنا الله ونعم الوكيل ـ فهل من الاعتداء في الدعاء أن أقول: اللهم عليك بالظالمين، ومن وراءهم، ومن عاونهم، ومن والاهم، ومن رضي بفعلهم، ومن برر لهم، ومن صدقهم، ومن فرح بنصرهم"؟ وزوجي يقول: إنني بهذا أعتدي في الدعاء؛ لأن من برر لهم، أو صدقهم قد يكون اتبع شيخًا أفتى بفتوى، وعمل بها، أو هو جاهل بالحقيقة، وسيقتص مني يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ وهل لن يعاقب أمثال هؤلاء رغم ما فعلوه بدعوى الجهل، رغم أن الوصول للحقيقة سهل في ظل وجود وسائل إعلام تعرض الحقيقة، ولكنهم أعموا أبصارهم عنها -جزاكم الله خيرًا-؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الدعاء على الظلمة جائز، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بنجاة المظلومين، ودعا على ظالمهم، كما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.

قال بدر الدين العيني في شرح البخاري: وفيه الدعاء على الظالم بالهلاك، والدعاء للمؤمنين بالنجاة. اهـ.

وقد ذكر الخادمي في بريقة محمودية أن الدعاء على الظالم يجوز بقدر ظلمه، ولا يجوز الاعتداء.

قال الناظم: وجاز أن تدعو على من ظلما     ولو لغيرك بموت أو عمى.

ويجوز كذلك الدعاء على من أعانهم؛ لأن الإعانة على الظلم محرمة، فقد قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ولا يحل للرجل أن يكون عونًا على ظلم، فإن التعاون نوعان:

الأول: تعاون على البر والتقوى, من الجهاد، وإقامة الحدود, واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين, فهذا مما أمر الله به ورسوله, ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة, فقد ترك فرضًا على الأعيان, أو على الكفاية متوهمًا أنه متورع, وما أكثر ما يشتبه الجبن، والفشل بالورع؛ إذ كل منهما كف، وإمساك.

والثاني: تعاون على الإثم، والعدوان, كالإعانة على دم معصوم, أو أخذ مال معصوم, أو ضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك, فهذا الذي حرمه الله ورسوله. اهـ.

 وقد سأل سجان الإمام أحمد عن حديث أعوان الظلمة، وهل هو صحيح؟ وهل هو منهم؟ فأجابه: كما جاء في رواية المروذي: لما حبس الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ قال له السجان: يا أبا عبد الله: الحديث الذي يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، فقال: فأنا منهم، قال أحمد: أعوانهم من يأخذ شعرك، ويغسل ثوبك، ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم. اهـ.

وأما من ناصر الظلمة، أو رضي بفعلهم تقليدًا لبعض من يراهم علماء، فلا يمنع ذلك من الدعاء عليه على سبيل العموم، وتأمل ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مقدَّم المغول بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة، قال: وجرت بيني وبينه، وبين غيره مخاطبات، فسألني فيما سألني: ما تقولون في يزيد ـ يعني ابن معاوية؟ فقلت: لا نسبه، ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلًا صالحًا فنحبه، ونحن لا نسب أحدًا من المسلمين بعينه، فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالمًا؟ أما قتل الحسين؟ فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون، كالحجاج بن يوسف، وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: ألا لعنة الله على الظالمين ـ ولا نحب أن نلعن أحدًا بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن، وأما من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا، ولا عدلًا. اهـ.

ثم إن من أفتى بغير علم، وقلده الجهال، فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة للشرع، ومباينة للهدى فإنه يتحمل المفتي وزرها، وإن كان المستفتي قصر في التحقيق، والبحث عن الحق، فإنه يناله الإثم بسبب تقصيره في تحري الحق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من أُفتيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه أبو داود، والحاكم عن أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

وفي الموسوعة الفقهية: الإفتاء بغير علم حرام؛ لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس، وهو من الكبائر؛ لقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون { سورة الأنعام} فقرنه بالفواحش، والبغي، والشرك... من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل: لا أدري، نقل ذلك عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ والقاسم بن محمد، والشعبي، ومالك، وغيرهم، وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه، ويعود نفسه عليه، ثم إن فعل المستفتي بناء على الفتوى أمرًا محرمًا أو أدى العبادة المفروضة على وجه فاسد، حمل المفتي بغير علم إثمه، إن لم يكن المستفتي قصر في البحث عمن هو أهل للفتيا، وإلا فالإثم عليهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه. انتهى.

وقال ابن القيم مبينًا وعيد من يكتم الحق، ويفتي بخلافه: وآفة أحدهم الكذب، والكتمان، فمتى كتم الحق، أو كذب فيه، فقد حادَّ الله في شرعه ودينه، وقد أجرى الله سنته أن يمحق عليه بركة علمه، ودينه، ودنياه إذا فعل ذلك، كما أجرى عادته سبحانه في المتبايعين إذا كتما وكذبا أن يمحق بركة بيعهما، ومن التزم الصدق والبيان منهم في مرتبته بورك له في علمه، ووقته، ودينه، ودنياه، وكان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما، فبالكتمان يعزل الحق عن سلطانه، وبالكذب يقلبه عن وجهه، والجزاء من جنس العمل، فجزاء أحدهم أن يعزله الله عن سلطان المهابة، والكرامة، والمحبة، والتعظيم الذي يلبسه أهل الصدق، والبيان، ويلبسه ثوب الهوان، والمقت، والخزي بين عباده، فإذا كان يوم القيامة جازى الله سبحانه من يشاء من الكاذبين الكاتمين بطمس الوجوه، وردها على أدبارها، كما طمسوا وجه الحق وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد. انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net