الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلح بين المتخاصمين مشروع بالإجماع، جاء في كشاف القناع: الصلح شرعًا: (معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفين) أي: متخاصمين، وهو جائز بالإجماع؛ لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] وقوله: {والصلح خير} [النساء: 128] ولحديث أبي هريرة مرفوعًا «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم. اهـ.
وإذا تم الصلح برضا المتصالحين - ولا علم لكل منهما بحق الآخر عليه - فإنه تبرأ ذمتهما بالصلح، ولو كان الحق في نفس الأمر بخلاف ما تصالحا عليه.
جاء في مطالب أولي النهي: (ويصح) (الصلح عما)؛ أي: مجهول لهما أو للمدين (تعذر علمه من دين)؛ كمن بينهما معاملة، وحساب مضى عليه زمن طويل، (أو) تعذر علمه من (عين)؛ كقفيز حنطة، وقفيز شعير اختلطا وطحنا، (ب) مال (معلوم نقد)؛ أي: حال (ونسيئة)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما: «استهما وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه» رواه أحمد، وأبو داود؛ ولأنه إسقاط حق؛ فصح في المجهول للحاجة؛ كالعتق، والطلاق، ولو قيل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق، وبقاء شغل الذمة؛ إذ لا طريق إلى التخلص إلا به؛ (كصلحها)؛ أي: الزوجة (عن صداقها) الذي لا بينة لها به، (ولا علم لها، ولا وارث بقدره، وكالرجلين) أو المرأتين، أو الرجل والمرأة (بينهما معاملة وحساب) قد مضى عليه زمن طويل (ولا علم لكل) منهما (بما عليه لصاحبه، أو لا علم لمن عليه) الدين؛ بأن كان عليه حق لا علم له بقدره، (ولو علمه صاحب الحق)، ولا بينة له بما يدعيه، (ويتجه بشرط أن لا يأخذ) صاحب الحق العالم به (أكثر مما عليه)، فإن أخذ زيادة عما يعلم؛ حرم عليه، ويكون الصلح باطلًا في حقه؛ لأنه صلح أحل حرامًا، وهو منهي عنه، (و) يتجه (أن قياسه عكسه)؛ أي: بأن كان من عليه الحق يعلم قدره، وصاحب الحق لا يعلم؛ فليس له أن يصالح بأقل مما يعلمه ؛ للخبر، وهو متجه. اهـ.
والله أعلم.