الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يشترط البديل لوجوب ترك الاستمناء وحرمة العودة إليه؛ لأن أدلة تحريم الاستمناء عامة تشمل حالة وجود البديل كالمتزوج، وحالة عدم وجود البديل كالأعزب؛ قال تعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:7}، والاسم الموصول من صيغ العموم.
وإذا كان الله ـ جل وعلاـ لا يكلف الإنسان ما يعجز عن فعله، فإذا حرم الاستمناء مع عدم البديل، دل على أن الإنسان لا يعجزه ذلك، وإن طال الأمر به؛ قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ {البقرة:286}.
ولا أدل على الإمكان من الوقوع ـ كما يقال ـ وسير العلماء العزاب من خيار علماء الأمة، وصالحيها شاهدة على ذلك، فإنهم ما تركوا النكاح طيلة حياتهم عجزا، أو رغبة عنه وهو سنة المرسلين، وإنما شغلهم عنه العلم والدعوة، وقد جمع العلامة أبو غدة سير ثلاثين من أشهرهم في كتابه: (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على النكاح) فأفاد وأجاد.
وإنما يؤتى الإنسان من ترك التوبة وإدمانه لهذه الآفة، فيجمع على نفسه سلطان الهوى والشهوة، والشيطان والعادة، فيتملكه شعور بالعجز عن الترك، والإحباط، وسوء الظن بالله عز وجل، وما ذاك إلا من شؤم المعصية، وإلا فباليقين باب التوبة مفتوح، والله يحب التوابين، ويحب المتطهرين. ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}، وفي سنن النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ. صححه الألباني.
فثق بالله ولا تعجز، وقد ذكرنا وسائل متعددة تعين على ترك هذه الآفة، كما في الفتوى رقم: 5524 فراجعها.
والله أعلم.