الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن العرب من تنصر في الجاهلية، وقد سمينا بعضهم بالفتوى رقم: 19604.
وممن تنصر سلمان الفارسي- ليس عربيا -، ويظهر من قصته قلة من كان على الدين النصراني الصحيح، بل قد لا يجاوزون أربعة؛ فانظر الفتوى رقم: 247282، وتوابعها.
وقد بينا بالفتوى رقم: 234670 أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعبد على دين إبراهيم، وبها يظهر قلة من كان على دين أهل الكتاب في جزيرة العرب.
ولم تخل الجزيرة العربية من يهود - لا سيما في اليمن -، ونصارى، وقد ذُكِروا في الشعر الجاهلي، وغيره، ويمكنك مراجعة كلام د. جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام؛ إذ يطول الكلام عليهم جداً.
والأمر توفيق من الله لنبيه، وكان اليهود والنصارى قد وقعوا في جمل من الضلالات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم، وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب. رواه مسلم. وقد كانوا يعرفون ذلك؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلِّي أن أدين دينكم، فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله! قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا، وأنى أستطيعه! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا، ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله! قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله، ولا من غضبه شيئًا أبدًا، وأنى أستطيع! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًا، ولا نصرانيًا، ولا يعبد إلا الله، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم - عليه السلام - خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم.
قال الكشميري في فيض الباري: وفيه دليلٌ على أن اليهودَ كانوا يَعْلَمُونَ في أنفسهم أنهم قد باءوا بغضبٍ من الله، وكذلك النَّصَارى أيضًا. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 234670.
والله أعلم.