الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد :
فلا يجوز اعتبار ذلك المال جزءا من الزكاة الواجبة عليك ، كما لا يلزمك أن تخرج الزكاة عنه ما دام بيد مماطل، وإنما تزكيه إذا قبضته منه لسنة واحدة، أو للسنوات السابقة على خلاف بين العلماء، وللاطلاع عليه وعلى ما نفتي به فيه انظر الفتوى رقم: 119194 .
ولا شك أن عزمه على عدم دفع حقك وأخذه المال يعتبر من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ... } سورة البقرة : 188 ، كما أن المماطلة في دفع المال ظلم أيضا كما في الحديث: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما ، ويجوز لك أن ترفع أمرك للقضاء لكي يلزمه بدفع المال لك، وإن تعذر ذلك، ولم تجد سبيلا لاستخلاص حقك منه فاصبر، فإن هذا اختبار ولا تجزع، وقد قال الله تعالى { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ .... } آل عمران : 186 ، والمعنى : والله لتختبرن بالمصائب في أموالكم بالجوائح والخسران ، ثم قال في آخر الآية {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أي : وإن تصبروا -أيها المؤمنون- على ذلك وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته، فإن ذلك من الأمور التي يُعزم عليها، وينافس فيها ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية.
فاصبر أخي السائل، واحمد الله تعالى على أن المصيبة لم تكن أكبر مما هي عليه، فالمصيبة في المال أخف من المصيبة في الدين أو النفس أو الولد، وأما شعورك بأنك أضعت رزق أولادك، فجوابه أن من كتب الله له رزقا فلن يضيع، ولا إثم عليك فيما حصل، وإنما الإثم على الظالم، فاجتهد في طاعة الله تعالى، واصبر على ما أصابك، وإن لم تأخذ حقك في الدنيا أخذته في الآخرة، والمبادلة هناك بالحسنات والسيئات، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ . اهــ
والله تعالى أعلم.