إيداع المال ببنك ربوي بناء على فتوى عالم.. رؤية شرعية

28-5-2014 | إسلام ويب

السؤال:
يحتفظ أبي بماله في أحد البنوك ‏الربوية، ويحصل على فائدة ثابتة‎.‎‏ ‏وقد حاولت إقناعه بسحب هذا المال ‏من هذا البنك، ولكنه أخبرني بأن ‏بعض المفتين قد أفتوا بأنها حلال.
‏وسؤالي هو: هل يجوز لي التصدق ‏بهذه الفوائد دون علمه، خصوصا أنه ‏يطلب مني أن أحضر له المال من ‏البنك؟
‏ وهل يجوز أن أخرج قيمة الفائدة من ‏مالي حتى لا آخذ شيئا من ماله بغير ‏رضاه؟ أو أخرج قيمة الفائدة من ماله، ‏ثم أضع له بدلا منها من مالي ‏الخاص؟ ‏
وكيف يمكن تقدير الفوائد السابقة، مع ‏أني لا أعلم متى أودع ماله في هذا ‏البنك؟ ‏
وجزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فمما لا ريب فيه أن فوائد البنوك ‏الربوية محرمة، والقول بإباحتها ‏قول مردود، لا يلتفت إليه، ولا يعول ‏عليه، فبين لوالدك ذلك بحكمة، ‏وموعظة حسنة؛ لعله يرعوي، ‏ويكف عن إيداع ماله في البنك ‏الربوي، وأخذ تلك الفوائد المحرمة ‏عنه.

  ولأنه يزعم أنه فعل ما فعل ‏بناء فتوى منسوبة لبعض أهل ‏العلم، فقد يكون له في ذلك عذر أمام ‏الله إن لم يكن متبعا لهواه، متتبعا ‏للرخص، وزلات العلماء.‏
وقد وجه للشيخ ابن عثيمين سؤال ‏عن مثل هذا جاء فيه:‏
‏ فضيلة الشيخ! السلام وعليكم ‏ورحمة الله وبركاته، لي أخ يعمل في ‏أحد البنوك الربوية، قد تحدثتُ معه ‏في هذا الأمر، ولكنه يعتمد في صحة ‏شرعية عمله على فتوى الشيخ ‏محمد سيد طنطاوي، مفتي مصر ‏آنذاك، وعند عودتنا إلى مصر في ‏العطلة الصيفية، فإنه يدعوني ‏وأسرتي إلى تناول الطعام في بيته، ‏وليس له دخل سوى مرتبه من هذا ‏العمل.

فهل لي أن ألبي الدعوة ‏حرصاً على صلة الرحم أم لا؟ وهل ‏يجوز إعطاؤه مبلغاً من المال على ‏سبيل الهدية، بنية أنه إذا دعاني ‏للطعام عنده، أكون بذلك قد أكلت من ‏مالي حفاظاً على صلة الرحم؟

‏أفتونا، جزاكم الله خيراً؟

الجواب: أقول: إذا كان هذا الرجل ‏صادقاً في أنه اتبع فتوى هذا العالم، ‏وليس قصده تتبع الرخص، فليس ‏عليه إثم أصلاً؛ لأن الله يقول: ‏فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ‏‏[النحل:43]، وهذا قد اقتدى بعالم، ‏وليس عليه شيء، كما لو أن إنساناً ‏أكل لحم جزور، وسأل عالماً من ‏العلماء فقال له: إن أكل لحم الجزور ‏لا ينقض الوضوء، فصلى وهو آكل ‏لحم الجزور. فهل تبطل صلاته؟ لا.

‏هذا الذي أكل الربا محتجاً بقول عالم، ‏مقلَّدٍ للفتيا، ليس قصده الهوى، ‏واتباع الرخص، لا شيء عليه، هذا ‏من حيث عمل أخيك.‏

  أما الذي نرى أن فتوى مفتي مصر ‏في هذا الباب خطأ، وغلط، وأنه لا ‏فرق بين الربا الاستثماري، والربا ‏الاستغلالي، والدليل على هذا: أن ‏النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ إليه ‏بتمر طيب فسأل، فقالوا: كنا نأخذ ‏الصاع من هذا بالصاعين، ‏والصاعين بالثلاثة، فقال: (هذا عين ‏الربا)، وأمر برده، وهذا واضح أنه ‏ليس به استغلال، وليس به ظلم، ‏ومع ذلك حرمه النبي عليه الصلاة ‏والسلام، فالفتوى غلط.‏

 وعلى هذا فنرى أن أخاك ما دام ‏يعين على أكل الربا، ويكتبه، ويشهد ‏به نرى أنه آثم، وأنه يجب عليه ‏التخلي عنه؛ لكن إن أصر وبقي، ‏وذهبتَ أنت إليه، وأكلت مما عنده ‏فلا بأس، ولا إثم عليك، حتى وإن ‏كنت تعتقد أن هذا حرام؛ لأن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عنه أنه ‏أكل من طعام اليهود، واليهود كما ‏تعلمون أكالون للسحت، آخذون ‏للربا، ولم يسأل الرسول يقول: هل ‏تعاملتم بالربا أو لا؟ فدل ذلك على ‏أنه يجوز للإنسان أن يأكل ممن ‏كَسْبُه حرام، ولا إثم عليه، ولكن لا ‏تيأس، أكثر من النصيحة لأخيك لعل ‏الله يهديه، وبشره أنه إن تاب فله ما ‏سلف، كل ما كسبه قبل ذلك فهو له ‏حلال؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ ‏مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ‏وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]. لا ‏سيما إذا كان مستنداً إلى فتوى يرى ‏أنها صحيحة. ‏ نسأل الله أن يرزقني وإياكم علماً ‏نافعاً، وعملاً صالحاً. انتهى.
وبناء على ما سبق، فلا تألوا جهدا ‏في نصح والدك بترك التعامل مع ‏البنك الربوي. ولا تتصرف في ماله ‏بدون إذنه، وليس عليك أن ‏تخرج عنه من مالك بقدر الفوائد ‏التي يأخذها، لكن لو شئت التبرع ‏عن أبيك بصدقة ليكون أجرها له، ‏وثوابها في ميزان حسناته، فلا حرج ‏عليك في ذلك، بل هو من فعل الخير ‏والبر به. ولعله يجد ثواب تلك ‏الصدقة يوم القيامة أحوج ما يكون ‏إليه، حيث لا دينار ولا درهم وإنما ‏هي حسنات، وسيئات.‏
والله أعلم.‏

www.islamweb.net