الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في كفر الخوارج والمعتزلة، فمنهم من ذهب إلى أنهم ليسوا كفاراً، لأنهم داخلون في مسمى الأمة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. رواه البيهقي والحاكم وغيرهما وهو صحيح، فنسبة الفرق إلى الأمة دليل على عدم كفرهم، قال البيهقي بعد رواية الحديث: قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله، فيما بلغني عن قوله "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجين من الدين، إذ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم من أمته. انتهى
وقال العدوي في حاشيته على كفاية الطالب الرباني عن المعتزلة: الراجح أنهم عصاه لا كفار. انتهى.
ونقل النووي في المجموع عن أبي حامد الإسفراييني ومتابعيه قوله: والخوارج ليسوا بكفار. انتهى
وقال ابن عابدين في رد المحتار نقلاً عن النهر قال: وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم، لأن الحق عدم تكفير أهل القبلة، وإن وقع إلزاماً في المباحث. انتهى
والقول بأنهم ليسوا كفاراً: هو الذي نميل إليه لما ذكرنا، ولأن الذين كفروهم، بنوا قولهم على أن لازم المذهب مذهب، ولازم المذهب ليس بمذهب في الصحيح، قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: وقد اختلف الناس في التكفير وسببه، حتى صنف فيه مفرداً، والذي يرجع إليه النظر في هذا: أن مآل المذهب هل هو مذهب أم لا؟ فمن أكفر المبتدعة قال: إن مآل المذهب مذهب، فيقول: المجسمة كفار، لأنهم عبدوا جسماً، وهو غير الله تعالى، فهم عابدون لغير الله، ومن عبد غير الله كفر، ويقول المعتزلة كفار، لأنهم -وإن اعترفوا بأحكام الصفات- فقد أنكروا الصفات، ويلزم من إنكار الصفات، إنكار أحكامها، ومن أنكر أحكامها فهو كافر، وكذلك المعتزلة تنسب الكفر إلى غيرها بطريق المآل. انتهى
وقال ابن عابدين مبيناً هذا وراداً عليه: وإن وقع التصريح بكفر المعتزلة ونحوهم عند البحث معهم في رد مذهبهم بأنه كفر، أي يلزم من قولهم بكذا الكفر، ولا يقتضي ذلك كفرهم لأن لازم المذهب ليس بمذهبهم، وأيضاً فإنهم ما قالوا ذلك إلا لشبهة دليل شرعي على زعمهم، وإن أخطأوا فيه. انتهى
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
10607 - والفتوى رقم:
17236.
والله أعلم.