الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رمضان موسم المتقين، ومتجر الصالحين، ومطهر المذنبين، ومعسكر إيماني لتقوية الإرادات، وتعبئة العزائم، وتجديد العقول والقلوب.
وكم من الناس تمنّوا إدراك الشهر ولم يدركوه، وكم منهم كان يترقّب دخول الشهر فلم يُمهل، تخطفتهم المنايا، فلم يستطيعوا زيادةً من صالح الأعمال، ولا هم أُمهلوا ليستدركوا ما سلف وكان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ حيّاً فما أقرب القاصي من الداني
فالبدار البدار إلى صالح الأعمال، والتزود بزاد الآخرة في رمضان.
وإليك برنامجاً عمليّاً لاستغلال هذا الشهر الفضيل على ضوء ما ذكرت من الأعباء والواجبات:
* التزام النوم مبكراً، ثم المكث في المسجد بعد صلاة الفجر، وقراءة ما يتيسر لك من القرآن، فرمضان شهر القرآن، فيه أنزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
فحريٌّ بالمسلم في هذا الشهر أن يُفرِّغ وقتاً ليس بالقليل لتلاوة القرآن، ولا تجعل كل همَّك -أيها المسلم- هو مجرد تلاوته باللسان وهذَّه هذَّ الشِّعر من غير تدبر ولا تعقل؛ لتستكثر من الختمات في هذا الشهر، بل اتله تلاوة تدبر وتعقل وعمل، فإن أعظم مقاصد إنزال القرآن هو التدبر والعمل، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ {ص: 29}.
* الحرص على البقاء في المسجد حتى تشرق الشمس وترتفع، ثم صلاة ركعتين، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا صلى الغداة (صلاة الفجر) جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس. أخرجه مسلم.
وأخرج الترمذي عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: مَنْ صَلَّى الفَجْرِ في جَماعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى حتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كانَتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامَّةٍ تامةٍ تامةٍ. صححه الألباني هذا في أي يوم، فكيف بأيام رمضان؟!
* احرص على أداء صلاة التراويح بخشوع في المسجد، فإن لم يتيسر المسجد فيمكنك أن تصليها في أي وقت من الليل في بيتك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه.
*احذر من الغيبة والنميمة والفحش وقول الزور والعمل به، واحفظ كل جوارحك عمَّا حرم الله تعالى، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يفسق، فإن سابَّه أحدٌ أو شاتمه، فليقل: إني امرؤٌ صائم. أخرجه البخاري.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. أخرجه البخاري.
وهناك جملة من الأعمال تستطيع أن تمارسها في أي وقت يتيسر لك:
* فعليك بالصدقة في رمضان، فاجتهد في أن يكون لك في كلِّ يومٍ صدقة، ولو كانت درهماً واحداً، فإن فضل الصدقة عظيم، وثوابها عند الله جزيل، فاحرص على الإكثار منها دائماً، وخصوصاً في هذا الشهر المبارك. اقتداءً بنبيّك -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.
* وعليك بتفطير الصائمين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني.
* صِلْ رحمك التي قطعتها، عليك بصلة أقاربك وأرحامك الذين هجرتهم، وخصوصاً مَنْ بينك وبينه خلاف أو منازعة، قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23].
فرمضان فرصة ذهبية لكي تجتمع القلوب، وتأتلِفَ الأرواح، وإذا لم تتيسر لك تلك الزيارة فلا يفوتك رفع سمَّاعة الهاتف، وليكن الوَصْل عبر هذه الوسيلة المختصرة.
* أكثر من الدعاء، وكن عبداً مِلْحاحاً في الطلب، فإن الله يحب العبد المِلْحاح، واعلم أن لك ساعتين للدعاء فَجُدْ على نفسك بسؤال ربِّك ومولاك، فإنه مجيبك، الساعة الأولى: قبل إفطارك، والثانية: في وقت السَّحر حين ينزل ربنا تبارك وتعالى، ويقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ رواه البخاري ومسلم.
* تحرّ ليلة القدر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه. أخرجه البخاري ومسلم.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها، وهي في العشر الأواخر من رمضان، وأحرى تتحرى فيه ليالي الوتر من العشر.
وأخيراً، حاسب نفسك يوميّاً على مدى جديتك في تنفيذ هذا البرنامج، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
والله أعلم.