الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فصلاة الفرد وحده لا تعتبر صلاة جماعة، وإنما تنعقد الجماعة باثنين فأكثر، قال ابن قدامة في المغني: وَتَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ـ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبِهِ: إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا. اهــ.
وأما ماذا تصنع: فإن كان المسجد المشار إليه قد خصص للصلاة من غير أن يوقفه صاحبه مسجدا فهو مصلى من المصليات التي لا تأخذ حكم المسجد ولا حرج عليك في إغلاقه أو تركه والذهاب إلى مسجد تصلي فيه الجماعة مادام ذلك المصلى لا يؤمه المصلون في كثير من الأوقات كما ذكرت، بل لعل هذا هو الأولى لتحصيل ثواب الجماعة، لأن هذه المصليات لا تأخذ حكم المساجد، ولا مفاضلة بين المصلى والمسجد، قال الشيخ العثيمين في بيان الفرق بين المصلى والمسجد: الفرق بين المصلى والمسجد أن المصلى مكان صلاة فقط، والمسجد معد للصلاة عموماً كل من جاء فيه فإنه يصلي فيه، ويعرف أن هذا وقف... لا يمكن بيعه ولا التصرف فيه، وأما المصلى فإنه يمكن أن يترك ولا يصلى فيه، وأن يباع تبعاً للبيت الذي هو فيه.. وبناء على ذلك يختلف الحكم، فالمساجد لا بد لها من تحية، ولا تمكث فيها الحائض مطلقاً ولا الجنب إلا بوضوء ولا يجوز فيه البيع والشراء بخلاف المصلى. اهـ.
وأما إذا كان المسجد أوقفه صاحبه مسجدا فإن له سائر أحكام المساجد، ولا يُغلق لمجرد أنه لا يؤمه أحد وفي إغلاقه تعطيل للوقف ومادمت إماما راتبا فيه فقد ذكر أهل العلم في الإمام الراتب للمسجد أنه إذا صلى وحده منفردا ولم يأت أحد يصلي معه أنه يدرك ثواب الجماعة ولا يسعى لجماعة أخرى لتحصيلها، جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: الْإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ، أَيْ: إنَّ الْإِمَامَ الْمُنْتَصِبَ لِلْإِمَامَةِ الْمُلَازِمَ لَهَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَكَان جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ رَاتِبًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ أَوْ بَعْضِهَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ زَادَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا هُوَ رَاتِبٌ فِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا تُعَادُ بَعْدَهُ... قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا أَقَامَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ طَلَبُ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ. اهــ.
والله أعلم.