الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالكتابي الذي يترك التسيمة عند الذبح متعمدا، حكمه حكم المسلم الذي يفعل ذلك، وفيه خلاف بين أهل العلم، فلا تحل على مذهب الحنابلة وغيرهم.
وأما إن تُركت سهواً، فهي حلال على المشهور من المذاهب الأربعة. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 173317، 28143، 227101.
ومن أهل العلم من نص على أن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها عمدا، أنها في حكم الميتة.
قال ابن هبيرة في (اختلاف الأئمة العلماء): أما التسمية على الذبائح والأضاحي. فقال أبو حنيفة: إن ترك الذابح التسمية عمدا، فالذبيحة ميتة لا تؤكل، وإن تركها ناسيا أكلت. اهـ.
وقال السرخسي في (المبسوط): ذلك ـ يعني ذبيحة مسلم ترك التسمية عليها عمدا ـ والميتة سواء عندنا. اهـ.
ومذهب ابن حزم في متروك التسمية ـ عمدا أو سهوا ـ أنه ميتة لم يُذكَّ، وقد نصر ذلك بأدلة من جملتها ما أسنده عن محمد بن زياد قال: إن رجلا نسي أن يسمي الله تعالى على شاة ذبحها، فأمر ابن عمر غلامه فقال: إذا أراد أن يبيع منها لأحد. فقل له: إن ابن عمر يقول: إن هذا لم يذكر اسم الله عليها حين ذبحها. وقال: هذا إسناد في غاية الصحة. اهـ.
وهذا يدل على أن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ لا يبيح بيع ما لم يذكر اسم الله عليه.
وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستدلال على حرمة الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها، عمدا أو سهوا، وناقش أدلة الجمهور وأجاب عنها، فراجع (جامع المسائل لعزير شمس 6 / 375 : 389) ومما قال في هذه المسألة: هذا هو الفرق بين ذكاة أهل الإيمان وأهل الكفر، أن هؤلاء يذكرون اسم الله على الذكاة، وأولئك لا يذكرون اسم الله. اهـ.
وهذه رواية أخرى عن أحمد، اختارها أبو الخطاب وغيره.
قال شيخ الإسلام: وهو قول غير واحد من السلف، وهذا أظهر الأقوال، فإن الكتاب، والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع ... اهـ.
وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين): اسم الميتة في الشرع أعم منه في اللغة ... وذبيحة المجوسي، والمرتد، وتارك التسمية، ومن أهلَّ بذبيحته لغير الله، فنفس ذبيحة هؤلاء أكسبت المذبوح خبثا أوجب تحريمه ... وقد جعل الله سبحانه ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح فسقا، وهو الخبيث ... ويوضحه أن الذبيحة تجري مجرى العبادة؛ ولهذا يقرن الله سبحانه بينهما كقوله: { فصل لربك وانحر }. وقوله:{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }. وقال تعالى: { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم }. فأخبر أنه إنما سخرها لمن يذكر اسمه عليها, وأنه إنما يناله التقوى - وهو التقرب إليه بها، وذكر اسمه عليها - فإذا لم يذكر اسمه عليها كان ممنوعا من أكلها، وكانت مكروهة لله، فأكسبتها كراهيته لها - حيث لم يذكر عليها اسمه، أو ذكر عليها اسم غيره - وصف الخبث، فكانت بمنزلة الميتة. اهـ.
وعلى هذا القول، فلا يجوز بيع ولا شراء الدجاج الذي تركت التسمية عليه؛ لأنه في حكم الميتة، وأنواع الميتات لا يجوز بيعها، سواء لمسلم أو لغيره، ولا حتى طعاماً لحيوان؛ وراجع في ذلك الفتويين: 66568، 173489.
وأما على قول من لا يُحرّم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها كالشافعية، فلا يحرم بيع هذا الدجاج المسؤول عنه إن ذُكِّي ذكاة شرعية. ويتأكد هذا باعتبار الغالب من أحوال أهل الكتاب، فإنهم لا يذكرون اسم الله تعالى عند الذبح.
قال ابن مفلح في (المبدع): الذبيحة مع الشك في وجود التسمية حلال، بدليل حل ذبيحة أهل الكتاب، مع أن الأصل عدم إتيانهم بها، بل الظاهر أنهم لا يسمون، وذلك أبلغ في المنع من الشك. اهـ.
والله أعلم.