الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما مقولة: "الجنة تحت أقدام الأمهات" فقد وردت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: الجنة تحت أقدام الأمهات من شئن أدخلن ومن شئن أخرجن رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال العقيلي: هذا منكر، وقال الألباني: موضوع، لكن جاء بمعناه حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها رواه النسائي وغيره، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقره المنذري وحسن إسناده الألباني ورواه ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة بلفظ آخر، وفيه: قال: ويحك؛ أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك؛ الزم رجلها فثم الجنة، قال السندي في شرح سنن ابن ماجه: قال السخاوي: إن التواضع للأمهات سبب لدخول الجنة، قلت: ويحتمل أن المعنى أن الجنة أي نصيبك منها لا يصل إليك إلا من جهتها، فإن الشيء إذا صار تحت رجلي أحد فقد تمكن منه، واستولى عليه بحيث لا يصل إلى آخر إلا من جهته. انتهى.
ومن هنا تعلمين أيتها الأخت السائلة أن الجنة حقاً تحت أقدام الأمهات، وأن الإحسان إلى الأم، وبذل الوسع في إرضائها من آكد الأسباب التي توصل إلى الجنة، وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، بل الظاهر أن الحكم ينسحب كذلك على الأمهات المشركات، وذلك لعموم حديث معاوية بن جاهمة حيث لم يستفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم عن حال أمه، وإنما قال له: ألك أم؟ أو أحية أمك كما في الرواية الثانية، وهو يشمل أي أم، سواء كانت صالحة أو طالحة، أو مؤمنة أو مشركة، ولأن الله قال في محكم آياته: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً.. الآية، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) أثر قوله: (وإن جاهداك على أن تشرك بي..) أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى
فإذا كان البر واجباً للأم على شركها فلا يبعد أن يكون ذلك سبباً في دخوله الجنة، وربنا سبحانه جواد كريم.
ومن هنا تعلمين أن زوجك أحسن أيما إحسان حيث يقيم على بر أمه، مع ما تقترفه من معاص وآثام، وهو يرجو بذلك الجنة، ونسأل الله أن يثيبه على ذلك، وقد أحسن كذلك عندما نظر إلى كبر سنها، وكونها تحتاج إلى مزيد بر وإحسان، لأنها في آخر عمرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن عليه كذلك أن ينصح أمه، وينهاها عن هذه المنكرات التي تقترفها بقول لطيف، وأسلوب حسن، لا ينافي البر، ولا يجوز له أن يترك الأجنبي يختلي بها، لأن هذا من الدياثة، وليس من البر، وليراجع في ذلك الفتوى رقم: 15647 .
وأما بالنسبة لمعاملتك لحماتك فنصيحتنا لك أن تعامليها برفق ولطف، لا سيما وأن في ذلك مراعاة لحق زوجك عليك، ولا تبخلي عليها بعون ولا مساعدة ما دام ذلك في غير معصية، ونذكرك بأن هذه المرأة في أخريات حياتها، فقد تموت اليوم أو غداً، فتندمين ندماً شديداً على أن لم تكوني قد أحسنت إليها، ومع ذلك فعليك أن تنصحيها بأسلوب طيب، فلعل الله أن يتوب عليها، وتموت على عمل صالح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها متفق عليه، واللفظ لمسلم.
والله أعلم.