الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته السائلة الكريمة من صور المزاح محرم لسببين:
الأول: اشتمالها على الكذب ، وقد نهينا عن الكذب في المزاح ، لقول النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ " أخرجه أحمد بإسناد حسن ، وراجعي في ذلك الفتويين: 180179، 140417.
والثاني: أن فيه تشبها بالرجال ، فإن الخطوبة والشبكة وما يتبع ذلك من خطوات - تتعلق بالنكاح - إنما تكون بين ذكر وأنثى، لا بين أنثيين ، وتشبه النساء بالرجال محرم ، وإطلاق أدلة المنع يشمل حالتي الجد والهزل ، ففي البخاري :"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" ، وكما أن هذا الإطلاق يشمل النهي عن التشبه في الهيئة واللباس، فإنه يشمل التشبه في الكلام كما بينه أهل العلم. قال ابن حجر الهيتمي في (الزواجر) : الكبيرة السابعة بعد المائة: تشبه الرجال بالنساء فيما يختص به عرفا غالبا ـ من لباس، أو كلام، أو حركة، أو نحوها وعكسه. اهـ. ويعني بقوله: وعكسه ـ تشبه المرأة بالرجال في ذلك أيضا. وقال الحافظ في الفتح: قال الطبري: المعنى: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس، قلت: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار. اهـ.
فإذا تقرر النهي عن هذه المحادثة ، فالواجب على من رأى ذلك أن ينكره وينهى عنه، وعلى من وقع فيه أن يتوب وينتهي عنه ، قال تعالى ذاما بني إسرائيل : {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} {المائدة:79}، وإذا وقع المنكر علانية على الفيسبوك أنكر علانية على الفيسبوك، ففي حديث مسلم :" قال طارق بن شهاب: أولُ من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مَروان، فقام إليه رجلٌ فقال: الصَّلاةُ قبل الخطبة، قال: قد تُرِك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أمَّا هذا فقد قَضى ما عليه، سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكُم منكرًا فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى : "وأما إذا أظهر الرجل المنكرات ، وجب الإنكار عليه علانية ، ولم نبق له غيبة ، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره ، فلا يسلم عليه ، ولا يرد عليه السلام".اهـ
وطاعة الله وخشيته أولى بالرعاية من حرج النصح العلني على الفيسبوك أو غيره ، وقد قام النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ خطيبا يوما في أصحابه فقال: "ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه" رواه أحمد وصححه الألباني.
على أن الإنكار علانية لا يعني الفظاظة والغلظة، ومجانبة الحكمة في الإنكار، بل لا بد من سلوك سبيل الرفق والتدرج في الإنكار، فلا ينكر إلا بعد بيان الحكم الشرعي لجاهله ، فقد قال النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ " عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ". رواه أحمد بإسناد صحيح ، وكان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون، يقولون: "مهلا رحمكم الله، مهلا رحمكم الله" . وقال سفيان الثوري: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إِلا من كان فيه خصال ثلاث: رفق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.
والله أعلم.