الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الصليب هو العلامة التي تشير إلى إنسان مصلوب، فتكون من عمودين متقاطعين أحدهما رأسي، والآخر عرضي، ويكون جزء العمود الرأسي من أعلى أقصر منه من الأسفل، لكن الآن ترسم مستوية الأطراف كعلامة الصليب الأحمر، وكشعارات بعض الأندية كالتي أشرت إليها، فإنهم يضعون هذه العلامة على أنها صليب، لا على أنها علامة الزائد التي في الحساب.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- كما في فتاوى نور على الدرب هذا السؤال: بارك الله فيكم سؤاله الثاني يقول: يوجد في الأسواق ساعات تحمل إشارة صليب. فهل استعمالها مباح أم لا؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: ينبغي أن يعرف أن الصليب كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكسره، ويزيله عليه الصلاة والسلام. فإذا كان الصليب مجسماً، وجب كسره. وإذا كان بالتلوين كما يوجد في بعض الساعات، فإنه يطمس بأن يوضع عليه لون يزيل صورته حتى لا يبقى في الساعة شيء منه، ولا ينبغي للإنسان أن يحمل في يده ما فيه شعار النصارى؛ فإن هذا فيه من تعظيمهم ما هو ظاهر. وفيه أيضاً من التشبه بهم. قد يقول قائل: إن هذا الصليب لا يقصد به التعظيم في وضعه في مثل الساعة، وبعض الآلات، وإنما هو شعار الشركة. فنقول: إن ظاهر الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فرق بين أن يوضع الصليب من أجل تعظيمه، والإشارة إلى كونه من شعائر النصارى، وبين أن يكون لمجرد الدلالة على هذه الشركة، أو هذا المصنع. والمسلم يجب عليه أن يبتعد كثيراً عما يكون من شعائر غير المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من تشبه بقوم فهو منهم. أما ما يظهر منه أنه لا يراد به الصليب لا تعظيماً، ولا لكونه شعاراً مثل بعض العلامات الحسابية، أو بعض ما يظهر في الساعات الإلكترونية من علامة زائد، فإن هذا لا بأس به، ولا يعد من الصلبان في شيء. انتهى.
وقال في لقاء الباب المفتوح: فالشيء الصليب، هو الذي وُضع على أنه صليب. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 223927، 143877.
ونصح من ارتدى هذه الملابس من تغيير المنكر، وهو واجب على الكفاية، بمعنى أنه إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه ولم يؤده بلا عذر ولا خوف.
وإذا قمت بما يجب عليك من الأمر والنهي، فقد برئت ذمتك بذلك، سواء استجاب من تنكر عليه أم لا.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيعُ أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا خَوْفٍ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّنُ كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ إلا هو، أو لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ إِلَّا هُوَ، وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ، أَوْ وَلَدَهُ، أَوْ غُلَامَهُ عَلَى مُنْكَرٍ، أَوْ تَقْصِيرٍ فِي الْمَعْرُوفِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَلَا يَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِكَوْنِهِ لَا يُفِيدُ فِي ظَنِّهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا الْقَبُولُ. انتهى.
وراجع هذه الفتوى برقم: 197249.
والله أعلم.