الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال المفسرون في تفسير الآية المذكورة: إن الذين آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، والذين هادوا هم من آمنوا بموسى -عليه السلام-، وماتوا على ذلك قبل بعثة عيسى -عليه السلام-، أو أدركوه وآمنوا به، والنصارى وهم الذين آمنوا بعيسى عليه السلام، وماتوا على ذلك قبل أن يدركوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-، أو أدركوه وآمنوا به، والصابئون قيل: هم قوم من أتباع الأنبياء السابقين.
هؤلاء جميعاً من آمن منهم بالله واليوم الآخر، وصدَّق النبي الذي بعث إليه، ومات على ذلك؛ فله أجر عند ربه.
أما من أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرفض رسالته، ولم يؤمن به؛ فهو كافر، لا يقبل منه غير الإسلام، والإسلام هو دين الله الذي أرسل به أنبياءه جميعاً، ومعناه: الاستسلام والانقياد لله تعالى، والتصديق برسله جميعاً، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19}، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85}، وقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه (الشورى: من الآية 13)، وقال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة:132).
وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار. رواه مسلم.
وبهذا يعلم أنه لا تعارض بين الآية المذكورة، وبين الآية الأخرى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
والله أعلم.