الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستخارة دعاء بلفظ وحال مخصوصين، فلو استخار العبد محصلا شروط الإجابة، فلن يفعل إلا ما فيه خيره وصلاحه، ولو لم يكن ذلك على وفق هواه؛ وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة: 216) وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 121036.
وعلى أية حال، فالذي يحصل للإنسان، خيره وشره، لا يخرج عن قضاء الله تعالى وقدره.
وأما ما تفعله زميلاتك في وقت النوم، فهو من الإيذاء المخالف للإحسان الذي أمر الله به في قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } [النساء: 36]. قال السعدي: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي: الجار القريب الذي له حقان، حق الجوار، وحق القرابة، فله على جاره حق، وإحسان راجع إلى العرف. {وَ} كذلك {الْجَارِ الْجُنُبِ} أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية، والصدقة، والدعوة، واللطافة بالأقوال والأفعال، وعدم أذيته بقول، أو فعل. {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: الرفيق في السفر. وقيل: الزوجة. وقيل الصاحب مطلقا. ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر، ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. اهـ.
وبذلك تعلم السائلة أن الأولى بها أن لا تجازي السيئة بمثلها، ولكن تعفو وتصفح، وتعظ وتنصح، بأسلوب حكيم، وتجازي الإساءة بالإحسان، فإن ذلك يعود على صاحبه بالخير العميم، وينقلب به العدو إلى صديق حميم؛ وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 122588.
وأما مسألة إيقاظهن للصلاة، فهذا أمر واجب بحسب القدرة، فإذا خفت خروج وقت الصلاة إذا لم توقظيهن، فلا يسعك ترك عن ذلك مع القدرة عليه؛ وراجعي الفتويين: 67233، 129250.
وأما شعورك بالضيق، فلا ندري ما سببه على وجه القطع، فقد يكون بسبب تأذيك من بعض سلوكيات زميلاتك، وطريقة تعاملهن معك، وقد يكون بسبب بعض الضغوط النفسية بسبب شدة الاهتمام بالمستوى الدراسي أو غير ذلك. وقد يكون بسبب التقصير في العبادة، والإلمام ببعض الذنوب. وقد يكون بسبب الإصابة بالعين بسبب التفوق الدراسي أو غير ذلك من نعم الله تعالى؛ فقد روى ابن حبان في (روضة العقلاء) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على الحوائج بكتمان السر؛ فإن لكل نعمة حاسدا. وحسنه الألباني. وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما من أحد عنده نعمة إلا وجدت له حاسدا. وراجعي الفتويين: 54514، 188405.
وعلى أية حال فإننا ننصحك باللجوء إلى الله تعالى، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن والاستعانة به، وتلاوة القرآن، والرقية الشرعية، والمحافظة على الصلاة، والأذكار الموظفة، والإكثار من الذكر عامة، والإلحاح في الدعاء.
وأما حَجْز مكان لصديقتك بجوارك عندما تتأخر عن المحاضرة، فالذي نراه أن في ذلك استئثارا بالحقوق المشتركة دون وجه حق؛ فإن من المعروف أن الأولى بالمكان هو الذي يسبق إليه من الطلاب، فيكون من الظلم أن يحرم السابق من المكان القريب، أو المميز مع استحقاقه له، بسبب حجز بعض الطلاب لزملائهم المتأخرين.
والله أعلم.