الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها وأبرها، وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع من يعتد بإجماعه من هذه الأمة على حبهم وتوقيرهم، قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ التوبة: 100]. وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح: 29].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما. وقال أيضاً: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. كما في الصحيحين عن عمران بن حصين. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة المفصحة بمدحهم والثناء عليهم، وتعداد فضائلهم جملة وتفصيلاً.
فمن سب قوماً هذه فضائلهم، وهذا ثناء ربهم عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، فلا شك أنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يعرف ذلك، وأن تقام عليه الحجة، فإن تاب ورجع إلى الحق، فالله توابٌ رحيم، وإن تمادى في سبهم ولم يتب ولم ينصع للحق، فهو كافر ضال مضل، نقل ذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم، وهذا فيمن سبهم جملة، وكذلك من سب واحداً منهم تواترت النصوص بفضله، فيطعن فيه بما يقدح في دينه وعدالته، وذلك لما فيه من تكذيب لتلك النصوص المتواترة والإنكار والمخالفة لحكم معلوم من الدين بالضرورة.
ونقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين فقال: ما أراه على الإسلام.
وأما من سب من تواترت النصوص بفضله بما لا يقدح في دينه وعدالته، كأن يصفه بالبخل أو الجبن، أو سب بعض من لم تتواتر النصوص بفضله، فلا يكفر بمجرد ذلك السب، لعدم إنكاره ما علم من الدين بالضرورة، ولكنه يكون قد أتى ما يوجب تأديبه وتعزيره.
والله أعلم.