الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذنب والغفلة لا شك أنهما من أسباب حرمان العلم النافع، كما أن تقوى الله من أسباب تحصيله، وقد يكون من هذا الباب قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ {البقرة:282}.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فقوله: واتقوا الله ويعلمكم الله ـ قد يكون من هذا الباب، فكل من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه، فمتى علمه الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك، ومتى اتقاه زاده من العلم، وهلم جرا. انتهى.
وليس في حث طالب العلم أن يترك الذنوب وأن يحذر من الغفلة قبل أن يبدأ بطلب العلم الكفائي، ليس في ذلك تعويقا له عن الطلب، وإنما في ذلك فتح باب العلم إليه وتيسيره عليه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأحسب الرجل ينسى العلم، بالخطيئة يعملها.
وقال رجل للإمام مالك: يا أبا عبد الله، هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إن كان يصلح له شيء، فترك المعاصي.
وفي الأبيات المشهورة للإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال بأن حفظ العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي.
وما وصايا السلف ـ رحمهم الله ـ لطلاب العلم بتعلم الأدب قبل العلم إلا لهذا المعنى وأمثاله، قال ابن المبارك رحمه الله: طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم.
وقال أيضا رحمه الله: كاد الأدب يكون ثلثي العلم.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: كانوا لا يخرجون أبناءهم لطلب العلم حتى يتأدبوا ويتعبدوا عشرين سنة.
فهذه هي الطريقة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها طالب العلم، وإذا جمع بين طلبه للعلم ومجاهدة نفسه في ترك المعاصي والغفلة وإصلاح قلبه في آن واحد فحسن، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 18607، ورقم: 57409.
والله أعلم.