الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى جعل ابن آدم خطاء، ويحب منه إذا أخطأ أن يعود إليه، روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
وهو سبحانه قد فتح باب التوبة على مصراعيه، ويقبل من يرجع إليه تائبا منيبا، وقد يبدل سيئاته حسنات تكرما وتفضلًا منه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. فبادر إلى التوبة، وأصلح العمل، وأحسن الظن بربك، فهو عند ظن عبده به.
وينبغي أن تستأنف حياتك كأن شيئًا لم يكن، وأن تعمل على ما فيه خير دينك ودنياك، ولا تلتفت إلى الماضي متحسرًا متندمًا، فإن ذلك يضرك ولا ينفعك، ويقعدك عن طلب المعالي؛ ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، حيث قال في الحديث الذي رواه مسلم أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فما يحدث لك الآن من كيد الشيطان؛ لينكد عليك حياتك، ويدخل على قلبك الأحزان، فإذا انتابتك هذه الوساوس فاستعذ بالله من شره، والتجئ إليه؛ لتحتمي بحماه، فهو الحصن الحصين، والركن الركين، واحرص على رقية نفسك بالرقية الشرعية، والمحافظة على الفرائض، ولزوم الذكر، وخاصة أذكار الصباح والمساء، وابحث عن أصحاب خيرين؛ ليكونوا زينًا لك في الرخاء، وعدة في البلاء، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 4310.
ويجدر بنا أيضًا أن نشير إلى أن عليك مراجعة بعض أهل الاختصاص من الأطباء النفسيين - إن تطلب الأمر ذلك - واجتهد في تحري الثقات منهم، أهل الدين والتقوى، فقد تكون في حاجة إلى شيء من التوجيهات، والعقاقير التي قد تهدئ من روعك، وتعينك على التفكير السليم - نسأل الله لنا ولك العافية من كل بلاء -.
وننبه في الختام إلى أن المسلم إذا ابتلي بالوقوع في شيء من الذنوب وجب عليه مع التوبة أن يستر على نفسه، ولا يخبر بذنبه أحدًا من الناس، فالستر سبب للعافية، والمجاهرة سبب للبلاء، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وإذا سئلت عن عفتك، وعن ذنوبك، فاستر على نفسك، واستعمل التورية، فإن لم يمكن التهرب من السؤال إلا بالكذب جاز ذلك، وقد أخطأت في إخبار الفتاة بما حصل منك - نسأل الله أن يتجاوز عنك، وأن يسترك بستره -.
والله أعلم.