الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتحسب الزكاة في الأسهم بالنظر إلى طبيعة نشاط الشركة التي أصدرت تلك الأسهم، فإن كانت الشركة لا تمارس عملاً تجاريًا - كما هو الحال في شركات الفنادق، والنقل البحري، والبري، وشركات الطيران ونحوها - ولم تشتر أسهمها بنية التجارة: فلا تجب الزكاة في أسهمها، ولكن تجب في أرباحها إذا بلغت نصابًا، وحال عليها الحول من يوم قبضها، ففيها ربع العشر 2.5%.
قال الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء: الأسهم التي للإنسان في الشركات، إن كانت شركات استثمار، كشركات المصانع، أو شركات النقل، وشركات الكهرباء، والإسمنت، فهذه تجب الزكاة في غلتها، إذا حصل المساهم على شيء من غلة أسهمه في الشركة، فإنه يزكيه. اهــ .
وقال الشيخ القره داغي مبينًا حالات ذلك النوع من الأسهم: زكاة الأسهم المعدة للاستفادة من ريعها، إذا كانت الأسهم لم يشترها صاحبها للتجارة، بل للاستفادة من أرباحها «وللزمن كما يقال» فإن زكاتها حسب قراءات المجامع الفقهية والهيئة العالمية للزكاة كالآتي:
أ- أن تكون تابعة لشركة تلتزم حسب نظامها الأساسي، أو قرار الجمعية العمومية بدفع الزكاة عن أسهمها، كما هو الحال في بعض البنوك، والشركات الإسلامية - فحينئذ لا يجب على المساهم المستثمر دفع زكاتها مرة أخرى، إذ «لا ثني في الإسلام» أي: لا تتكرر الزكاة في عام واحد على مال واحد بعينه.
ب- وأما إذا كانت لا تلتزم بدفع زكاة أسهمها، ولكن نسبة الزكاة تذكر من خلال هيئتها الشرعية، فحينئذ يجب على المساهم دفع تلك النسبة، وذلك بضرب عدد أسهمه في تلك النسبة المذكورة، فلنفرض ستين درهمًا من كل ريال لكل سهم، فمن لديه ألف سهم يضربها في 60% يطلع الناتج 600 ريال وهو الواجب دفعه، وهكذا.
وأما إذا كانت الأسهم من شركة تجارية محضة، تشتري البضائع، وتبيعها - كشركات الاستيراد، والمواد الخام، ونحوها - فتجب الزكاة في أسهمها أصلاً وربحًا، وتزكى بقيمتها السوقية، فإذا لم يكن لها سوق يقومها أهل الخبرة والاختصاص، فيخرج ربع العشر (2.5%) من تلك القيمة، ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
وهذا الحكم ينطبق على الأسهم في الشركات الصناعية المحضة، إذا قصد المساهم بشراء أسهمها التجارة فيها، قال الشيخ القره داغي: اتفق الفقهاء المعاصرون على وجوب الزكاة في قيمة السهم حسب سعر السوق، إذا كان شراؤه بنية التجارة، أي: بيعه عند ارتفاع قيمته، أو تداوله لأجل الربح، وعلى هذا جميع المؤتمرات الفقهية، والندوات التي بحثت الموضوع، واتفقوا كذلك على أن نسبة الزكاة في هذه الحالة هي 2,5%.
وننبه هنا إلى أن من العلماء من فرق بين صنفين من التجار: الأول: يطلق عليه التاجر المدير، وهو الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر.
الثاني: يطلق عليه التاجر المحتكر، وهو الذي يشتري السلعة، ويتربص بها رجاء ارتفاع السعر، وعند مالك - رحمه الله - أن المدير يزكي عروضه على رأس كل حول، أما المحتكر فيزكيها لسنة واحدة إذا باعها، وخالفه الأئمة الثلاثة، والجمهور، ورأوا أن المدير، وغير المدير حكمهما واحد.
كما ننبه أيضًا على أن الأسهم لها قيم متعددة، كالقيمة الاسمية، وهي القيمة التي تحدد للسهم عند تأسيس الشركة، وتدون في شهادة السهم، وهنالك القيمة الدفترية وهي قيمة السهم بعد خصم التزامات الشركة، وقسمة أصولها على عدد الأسهم المصدرة، وهناك أيضًا القيمة المالية الحقيقية للسهم، وهي القيمة التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة، وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم، ورابع تلك القيم هي القيمة السوقية المذكورة سابقًا، وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق، وتتغير صعودًا وهبوطًا حسب حالة العرض والطلب، وغير ذلك مما يؤثر في ذلك، وزكاة التجارة إنما تكون بحساب القيمة السوقية، لا الدفترية.
وأما إذا كانت الشركة المساهمة تجارية، وصناعية معًا - كالشركات التحويلية التي تشتري المواد الخام، أو تستخرجها، ثم تجري عليها عمليات تحويلية، ثم تتاجر فيها، مثل: شركات البترول، والغزل، والنسيج، والحديد والصلب - فتجب الزكاة في أسهمها بعد حسم قيمة المباني، والآلات المملوكة للشركة، وهكذا لأن السهم هو جزء من الشركة، فكان له حكمها في الزكاة .
وننصحك باقتناء بعض الكتب التي تناولت موضوع زكاة الأسهم، وفصلت القول في شأنها، وكلام أهل العلم فيها، ككتاب فقه الزكاة للشيخ القرضاوي، وكتاب المعاملات الحديثة وأحكامها للشيخ عبد الرحمن عيسى، وكذلك الأبحاث المنشورة في مجلة المجمع الفقهي ذات الصلة بهذا الموضوع.
والله أعلم.