الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فمن صلى في جماعة - ولو اثنين - فإنه يرجى له أن ينال ثواب صلاة الجماعة، كما بيناه في الفتوى رقم: 41612.
ولكن ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الجماعة تتفاوت من جماعة لأخرى، وأنه كلما زاد عدد الجماعة زاد الثواب، مع تحصيل الكل لأصل أجر الجماعة, وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فضل لجماعة على أخرى، وأن صلاة الجماعة تتساوي، ولو اختلف عدد المصلين استدلالًا بحديث: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
وقول الجمهور أرجح لحديث: وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قال في عون المعبود: أَزْكَى: أَيْ أَكْثَر ثَوَابًا ... رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
قال الحافظ العراقي في طرح التثريب عن حديث: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ ـ الحديث: اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِجَمَاعَةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَمَاعَاتِ كُلَّهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْجَمَاعَاتِ تَتَفَاوَتُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ـ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حُجَّةٌ لِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ فِي تَسَاوِي الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْجَمَاعَةُ مُحَصِّلٌ لِلتَّضْعِيفِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَضْعِيفٍ آخَرَ بِسَبَبٍ آخَرَ، مِنْ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ شَرَفِ الْمَسْجِدِ، أَوْ بُعْدِ طَرِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهــ.
وقال الحافظ في الفتح: وَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَسَاوِي الْجَمَاعَاتِ فِي الْفَضْلِ، سَوَاءٌ كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ أَمْ قَلَّتْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ جَمَاعَةٍ، كَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقواهُ بِمَا روى بن أَبِي شَيْبَةَ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ، فَهُمَا جَمَاعَةٌ، لَهُمُ التَّضْعِيفُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ـ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي أَصْلِ الْحُصُولِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي مَزِيدَ الْفَضْلِ، لِمَا كَانَ أَكْثَرَ، لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ الْمُصَرِّحِ بِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابن خُزَيْمَةَ، وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَرْفُوعًا: صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ـ وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ. اهــ.
وأما هل يكون قبول الدعاء أرجى إذا زاد عدد المصلين: فهذا لا نعلم له مستندًا شرعيًا، ولكن من المعلوم أنه كلما زاد العدد زاد احتمال وجود من هو مجاب الدعوة، فيدعو لهم، وينتفعون بدعوته.
والله أعلم.