الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة تعرف الطهر بإحدى علامتين: إما القصة البيضاء، وهي ماء أبيض يعرف به انقطاع الحيض، وإما بالجفوف، وضابط الجفوف أن تدخل القطنة الموضع، فتخرج بيضاء نقية، ليس عليها أثر من دم، أو صفرة أو كدرة.
قال في مواهب الجليل: ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْجُفُوفُ أَنْ تُدْخِلَ الْخِرْقَةَ فَتُخْرِجَهَا جَافَّةً. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ. (قُلْتُ) يُرِيدُ وَلَا مِنْ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهَا جَافَّةٌ مِنْ الرُّطُوبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ جَافَّةً مِنْ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ؛ لِأَنَّ فَرْجَ الْمَرْأَةِ لَا يَخْلُو عَنْ الرُّطُوبَةِ غَالِبًا، وَالْقَصَّةُ مَا يُشْبِهُ مَاءَ الْجِيرِ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَقِيلَ: يُشْبِهُ مَاءَ الْعَجِينِ، وَقِيلَ: شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ. انتهى.
وقال في حاشية الروض: والحاصل أن الطهر بجفوف، أو قصة. فإن كانت ممن ترى القصة البيضاء، اغتسلت حين تراها، وقال: مالك: هو أمر معلوم عندهن، وإن كانت ممن لا تراها، فحين ترى الجفوف تغتسل وتصلي، والجفوف أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة ليس عليها شيء من الدم، ولا من الصفرة، ولا من الكدرة؛ لأن فرج المرأة لا يخلو من الرطوبة غالبا، والقصة بفتح القاف ماء أبيض يتبع الحيض، يشبه ماء الجص، شبهت الرطوبة النقية لبياضها بالجص، وقال بعضهم: يشبه ماء العجين، وقيل يشبه المني، ويحتمل أنه يختلف باعتبار النساء وأسنانهن، وباختلاف الفصول والبلدان والطباع، وغالب ما يذكره النساء شبه المني. وقال بعض السلف: لا يلزم المرأة أن تتفقد طهرها بالليل، ولا يعجبني ذلك، ولم يكن للناس مصابيح كما قالته عائشة وغيرها: وإنما يلزمها ذلك إذا أرادت النوم، أو قامت لصلاة الصبح، وعليهن أن ينظرن في أوقات الصلوات. انتهى.
وبه تعلمين أنه يجب على المرأة تفقد طهرها بالكيفية المذكورة، ولا تكتفي بالنظر في الثياب، بل لا بد من تحقق خلو الفرج من الدم، أو الصفرة والكدرة، وعليها أن تتفقد ذلك في أوقات الصلوات كما مر، ولا بد من أن تدخل شيئا الموضع لتتحقق من حصول الطهر؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإذا شكت في حصول الطهر، فالأصل بقاء الحيض فتبني عليه، ويجوز لها إذا كانت ترى الطهر بالجفوف أن تتلوم بعد رؤية الطهر اليوم ونصف اليوم؛ لأن عادة الدم أنه يجري وينقطع، كما رجح ذلك بعض العلماء كابن قدامة.
فإن رأيت العمل بهذا القول، فلك هذا شريطة أن تتحققي من حصول الطهر بالكيفية المشروعة، والراجح عندنا أن ما تراه المرأة من الدم، فإنه يعد حيضا ما دام في زمن الإمكان ولا تعتبر مدة العادة على ما بيناه في الفتوى رقم: 145491.
وعليه، فلا بد من أن تتحققي من الطهر بالكيفية المشروعة، بأن تدخلي القطنة الموضع. فإذا خرجت نقية، فالراجح عندنا أنك تبادرين بالغسل، ولا عبرة بما يخرج من الإفرازات المعتادة؛ لأن الفرج لا يخلو منها غالبا، وإذا انقطع الدم خلال أيام العادة، وأردت الانتظار مدة نصف يوم، أو يوم اعتبارا بقول من يرى هذا الرأي، فلك هذا، ثم تغتسلين متى تحققت حصول الطهر، وإذا بادرت بالاغتسال على ما هو الراجح عندنا، لم يلزمك تتبع الموضع، ولا النظر في الفرج، بل يكفيك البناء على الأصل وهو الطهر حتى تتحققي عود الدم، وما ترينه بعد الطهر من صفرة أو كدرة لا يعد حيضا مادام خارج أيام العادة، وإذا لم تتحققي من حصول الطهر، فإنك لا تتخيرين بين الألوان بل لا تزالين حائضا؛ لأن الأصل بقاء الحيض حتى تتحققي من حصول الطهر.
والله أعلم.