الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأدلة المتفق عليها هي الكتاب والسنة والإجماع, وقد دلت السنة والإجماع على أن العاقلة هم العصبة وعلى عدم دخول الإخوة من الأم والنساء في العاقلة, أما السنة: ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ ـ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ـ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى لَهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. متفق عليه.
والشاهد أنه جعل العقل ـ أي الدية ـ على عصبتها, قال الحافظ في الفتح نقلا عن ابن بطال: وَلِذَلِكَ لَا يَعْقِل الْإِخْوَة مِنْ الْأُمّ قَالَ: وَمُقْتَضَى الْخَبَر أَنَّ مَنْ يَرِثهَا لَا يَعْقِل عَنْهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَصَبَتهَا، وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْن الْعُلَمَاء. اهـ.
ومن المعلوم أن الإخوة من الأم ليسوا من العصبة, ولا يوجد من النساء عاصبة أيضا إلا المعتقة.
وأما دليل الإجماع على عدم دخول الإخوة من الأم في العاقلة: فقول الحافظ آنفا: وهذا متفق عليه ـ أي في كون الوارث غير العاصب ليس من العاقلة، وأيضا نقل ابن قدامة في المغني الاتفاق عليه فقال: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَاتُ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ، وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالزَّوْجِ، وَكُلِّ مَنْ عَدَا الْعَصَبَاتِ، لَيْسَ هُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ. اهـ.
ودل الإجماع أيضا على أنه لا دخل للنساء في العاقلة, قال ابن قدامة في المغني: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ.... وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَرْأَةُ: فَلَا يَحْمِلُونَ مِنْهَا لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّنَاصُرِ، وَلَيْسَ هُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ. اهـ.
والله أعلم.