الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تُخرق العادة لغير الصالحين، بل للمشعوذين، وقد بينا الفرق بين كرامات الأولياء والسحر والشعوذة في الفتوى رقم: 162701.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان: الإيمان والتقوى سبب كرامات الأنبياء، وأيضا كرامات الأولياء لابد أن يكون سببها الإيمان والتقوى، فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان، فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله، فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة، والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء، وإنما تحصل عند الشرك، مثل دعاء الميت، والغائب، أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات، كالحيات، والزنابير، والخنافس، والدم، وغيره من النجاسات ومثل الغناء، والرقص، لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان، فيرقص ليلا طويلا، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدا، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن، وينفر عنه، ويتكلفه، ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله، قوله تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ـ فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ـ يعني تركت العمل بها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشفى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية.. انتهى.
ويقول الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية: المسألة الثالثة: الكرامة تَبَعٌ للوَلَايَة، والأولياء جعلهم الله هم أهل الإيمان والتقوى، قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ{ يونس:62ـ 63 } فالولي الذي يُعْطَى الكرامة هو الموصوف بهذين الوصفين: الإيمان والتقوى، فلو جَرَى الخَارِقْ على يدي من لم يُوصَفْ بالإيمان والتقوى فليس هو مِنَ الكرامة، لأَنَّ الله جَعَل الوَلاية في أهل الإيمان والتقوى، وهم الذين يُعْطَونَ الكرامة، وهاهنا سؤال: هل المبتدع أو الضَّالْ أو العاصي يُعْطَى كرامة؟ والجواب عن ذلك: أَنَّ الأولياء ـ كما قَرَّرَ أهل العلم ـ على فئتين:
ـ الفئة الأولى: السابقون.
ـ والفئة الثانية: المُقْتَصِدُونْ.
فليس للظالم لنفسه المقيم على المعصية حظ في الكرامة، لكن قد تجري الكرامة على يَدَيْ من عنده بدعة أو معصية أو ظلم لنفسه، وذلك راجع لأسباب:
السبب الأول: أن يكون ليس هو المراد بها، وإنَّمَا يكون هذا المبتدع أو هذا الظالم لنفسه في جهادٍ مع الكافر، في جهادٍ مع العدو الكافر فيعطيه الله، الكرامة لا لذاته، ولكن لما يُجَاهِدَ عليه، وهو الإسلام والإيمان ورد الكفر، فيكون إعْطَاؤُهُ الكرامة لا يغتر بها، لأنها ليست لشخصه، وإنما هي للدليل على ظهور الإيمان والإسلام على الكفر والإلحاد والشرك ونحو ذلك.
السبب الثاني: أن يكون إعْطَاؤُهُ الكرامة لحاجته إليها في إيمانه أوفي دُنْيَاه، فتكونُ سبباً له في استقامة أو في خير، فلهذا من جرى على يديه شيء في ذلك فينظر في نفسه: إنْ كان من أهل الإيمان والتقوى فيحمد الله، ويُثْنِي عليه ويُلازِمُ الاستقامة على ما أكرمه الله، به، وإن كان من أهل البدعة أو المعصية أو الظلم للنَّفْسْ، فيعلم أَنَّ في ذلك إشارة له أن يلازم سنة النبي، والإيمان والتقوى حتى تكون البُّشرى له في الدنيا والأخرى، وإلَّا يكون قد قامت عليه حُجَّةْ ونعمة من الله رآها ثُمَّ أَنْكَرَهَا. انتهى.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في ذكر حال الرفاعية:... وحكى ذلك الشيخ: أنه كان مرة عند بعض أمراء التتر بالمشرق وكان له صنم يعبده، قال: فقال لي: هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه فأنكرت ذلك فقال لي إن كان يأكل أنت تموت؟ فقلت: نعم، قال: فأقمت عنده إلى نصف النهار ولم يظهر في الطعام أثر فاستعظم ذلك التتري وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك، فقلت لهذا الشيخ: أنا أبين لك سبب ذلك، ذلك التتري كافر مشرك ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثاله سود وأهل الإسلام المحض بيض، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض، فأعجب هذا المثل من كان حاضرًا!!.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 73927.
والله أعلم.