الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسفر والإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا لمن قدر على إظهار دينه فيها، وأمن على نفسه الفتنة. وفي حال الجواز يبقى أن الأفضل من حيث الأصل هو تركها؛ لما فيها محاذير جسيمة، ومخاطر عظيمة، سبق بيان بعضها في الفتوى رقم: 2007. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 118279.
وأما الإقامة في هذه البلاد لأجل الدعوة إلى الله تعالى لا لعرض من الدنيا، فهي نوع من أنواع الجهاد، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 15784.
قال الشيخ ابن عثيمين: الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه وآدابه. ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك، ووضع الشروط التي تمنع من الهُوِيّ في تلك المهالك، فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسيين:
ـ الشرط الأول: أمن المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ ... .
ـ الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة، والجمعة، والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة، ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة، والصيام، والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ ...
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
ـ القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين، وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان ... اهـ.
وأما التجنس بجنسية هذه الدولة، فالأصل فيه الحرمة؛ لما في ذلك من مفاسد ومحاذير شرعية سبق بيان بعضها في الفتويين: 26795، 199749.
ولهذا نقول: إنه لا يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية هذه الدول إلا لضرورة، أو حاجة معتبرة، أو مصلحة راجحة، مع بذل الجهد في التخلص من لوازمها الباطلة تلك قدر الإمكان، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 44653. ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكن الاطلاع على الفتويين: 51281، 188143.
فإن كان حصول السائل على هذه الجنسية ستترتب عليه مصالح دعوية ظاهرة، ولم يستلزم ذلك القيام بقسم الولاء، ولا الانخراط في الجيش، وغير ذلك من المحاذير، فلا نرى حرجا في ذلك.
والله أعلم.