الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ الألباني - رحمه الله - من كبار أهل العلم بالحديث في هذا الزمان، وقد تلقى كثير من العلماء والباحثين أحكامه الحديثية بالقبول.
لكن المتأخرين من المحدثين في الجملة فيهم شيء من التساهل بالنسبة إلى المتقدمين من أئمة العلل كأحمد، والبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأضرابهم، قال الشيخ المعلمي في كتاب العبادة: ومنهم - أي أهل زمانه - من يحكي عن بعض المتأخرين، كالسبكي، وابن حجر، وابن الهمام، والسيوطي، ونحوهم، أنهم صححوا ذلك الحديث، أو الأثر، أو حسنوه، ويكون جهابذة العلم من السلف قد ضعفوا ذلك الحديث، أو حكموا بوضعه، وهم أجل وأكمل من المتأخرين، وإن كان بعض المتأخرين أولي علم، وفضل، وتبحر، ولكننا رأيناهم يتساهلون في التصحيح والتحسين، ويراعون فيهما بعض أصول الفن، ويغفلون عما يعارضها من الأصول الأخرى، وفوق ذلك أن السلف كانوا أبعد عن الهوى، ومن هنا قال ابن الصلاح: "إن باب التصحيح والتحسين قد انسد، ولم يبق فيهما إلا النقل عن السلف"، وهذا القول خطأ، ولكنه يعين على ما نريده، وهو وجوب الاحتياط فيما يصححه المتأخرون، أو يحسنونه. اهـ.
ووصف منهج محدث ما بالتساهل ليس ذمًّا بإطلاق، وإنما هو توصيف، والشيخ الألباني - رحمه الله - قد وصف جمعًا من كبار المحدثين بالتساهل، كالترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن السكن، والحاكم، والسيوطي، وأحمد شاكر، وغيرهم، ولا يقال إن الشيخ الألباني قد ذمهم، أو انتقصهم بذلك.
وبعد هذا؛ فإن بعض المعاصرين يرى أن أحكام الشيخ الألباني على الأحاديث بالصحة، أو الحسن قد يعتريها بعض التساهل.
قال الشيخ ابن عثيمين: أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به، على تساهل منه أحيانًا في ترقية بعض الأحاديث إلى درجة لا تصل إليها من التحسين، أو التصحيح، وعدم ملاحظة ما يكون شاذ المتن، مخالفًا لأحاديث كالجبال صحة، ومطابقة لقواعد الشريعة. اهـ. من كتاب حياة الألباني لمحمد الشيباني.
وسئل الشيخ مصطفى العدوي كما مصطلح الحديث في سؤال وجواب: ما درجة الشيخين الفاضلين: أحمد شاكر، وناصر الألباني في تصحيح الأحاديث من ناحية التساهل أو التشدد؟
فأجاب: أما الشيخ الفاضل أحمد شاكر - رحمه الله - فيجنح إلى التساهل في الحكم على الحديث بالصحة، ومنشأ ذلك أنه عمد إلى رجال دارت عليهم جملة هائلة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثَّقهم، ومن ثَم صحَّح أحاديثهم، من هؤلاء ابن لهيعة، وشهر بن حوشب، وعبد الله (مكبر الاسم) بن عمر العمري، وليث بن أبي سليم، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، ويزيد بن أبي زياد، وهؤلاء الراجح من أمرهم أنهم أقرب إلى الضعف.
أما الشيخ ناصر الألباني - حفظه الله - فهو أحسن حالاً في هذا الجانب، إلا أن عمله لا يخلو من شيء من ذلك، ووجه ذلك أنه يصحح الحديث في كثير من الأحيان بناء على صحة الإسناد فقط، ولا ينظر إلى أوجه إعلاله، وأحيانًا يصحح الحديث بمجموع الطرق، وكثرتها، مع شدة ضعفها. اهـ.
وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني - تلميذ الشيخ الألباني -: إن الشيخ الألباني في التصحيح دقيق جدًّا، والتساهل من الشيخ يقع في الحديث الحسن أحيانًا. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور سعد الحميد: أما بالنسبة لتصحيحات الشيخ الألباني، فالشيخ من المجتهدين في علم الحديث، وفي الغالب أنه إذا ضعف حديثًا لا تجد بعده شيئًا - في الغالب -، ولكن لست أدعي أنه لا يفوته شيء، ولكن إذا ضعف حديثًا ففي الغالب أن حكمه يكون لائقًا على ذلك الحديث، وكذلك في كثير من الأحيان إذا حكم على حديث بالصحة أن حكمه يكون جيدًا، وقد يخطئ في نظري.
أما إذا حكم على حديث بالحُسن؛ فهذا الذي هو محل نظر، فالشيخ له منهج يسير عليه في تحسين الأحاديث، وأنا عندي تحفظ على ذلك المنهج؛ فهو يتساهل في جمع طريق ضعيفة، مع طريق ضعيفة، وهكذا يجمع بينهما، ويحكم على الحديث "بالحسن لغيره" ـ مع العلم بأن بعض تلك الطرق قد تكون مناكير، أو مما تفرد به بعض الرواة تفردًا منكرًا عند العلماء، والشيخ لا يُبالي بهذا. اهـ.
وسئل الشيخ عبد العزيز الطريفي: سمعنا في الآونة الأخيرة من يطعن في تخريجات الشيخ الألباني فما رأيك يا شيخ؟
فأجاب: العلامة الألباني من الأئمة الكبار في السنة، وقد نفع الله به نفعًا عظيمًا في هذا القرن، مما لا يكاد يحصل لمثله في وقته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وهو كسائر علماء الحديث يؤخذ من قوله ويرد، والشيخ الألباني له منهج في نقد الأحاديث يخالفه فيه غيره من أهل العلم، وهو يجري على ما يجري عليه سائر المحدثين الكبار من المتأخرين، كالسيوطي، والسخاوي، وغيرهم.
وانتقد عليه تساهله في مواضع من أحكامه، كالتصحيح بمجموع الطرق، والتسامح في تحسين روايات بعض الضعفاء، ونحو ذلك.
وأخذ عليه تشدده في بعض أحكامه، كتشدده في رد روايات من وصف بالتدليس، ورد كل ما ثبت انقطاعه مطلقًا، ولو كانت القرائن احتفت به، فاغتفر الأئمة علة الانقطاع لقوة القرائن، كمعرفة الواسطه عينًا أو حالًا، كرواية سعيد عن عمر، أو أبي عبيدة عن أبيه، ونحو ذلك.
والشيخ الألباني ليس بدعًا بهذا الرأي، فهناك من سبقه من الأئمة المتأخرين إلى هذا الرأي، وهو مجتهد حاصل على الأجر في الحالين، رحمه الله، وأسكنه فسيح جنته. اهـ.
وهناك رسائل جامعية في منهجية الشيخ الألباني الحديثية قد يفاد منها في المعرفة التفصيلية لمنهج الشيخ في الصناعة الحديثية، منها رسالة بعنوان: منهج الشيخ الألباني في التصحيح والتضعيف للدكتورة عائشة غرابلي في جامعة باتنة في الجزائر، ومنها: منهج الشيخ الألباني في تقوية الأحاديث بالشواهد للدكتور شادي التميمي من الجامعة الأردنية، ومنها: منهج الشيخ الألباني في تعليل الأحاديث النبوية للدكتور محمد أبو عبدة من الجامعة الأردنية.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 199817 ، والفتوى رقم: 9224 .
والله أعلم.