الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعروف من مذاهب الأئمة الأربعة جميعا، تحريم آلات الملاهي والمعازف كلها، إلا أشياء مخصوصة جرى استثناؤها في حالات خاصة، كالدف في العرس، وطبل الغزاة والصيادين والقافلة، ففي هذه الأشياء خلاف وتفصيل بين المذاهب، وأما ما عداها فقد حكى الإجماع على تحريمه جماعة من العلماء. وقد سبق لنا بيان ذلك، وذكر طرف من أدلته، ومن نقل الإجماع عليه، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 35708، 54316، 130531.
وأما من خالف في ذلك فهم الظاهرية، كابن حزم في كتاب (المحلى) وابن القيسراني في كتاب (السماع) لأنه لم يصح عندهما حديث في تحريم ذلك، وتجد في الفتوى الأولى المحال عليها سابقا مناقشة ذلك. وهنا ننبه على أن ابن القيسراني ليس من الشافعية وإنما هو من الظاهرية.
قال الذهبي وغيره: كَانَ داوديَّ المذهب. اهـ. يعني على مذهب داود بن علي الظاهري.
وأما ابن العربي فالنقل عنه هنا من الخطأ، فكلام ابن العربي إنما هو في الغناء لا المعازف، حيث قال في (أحكام القرآن): الغناء من اللهو المهيج للقلوب عند أكثر العلماء، منهم مالك بن أنس، وليس في القرآن ولا في السنة دليل على تحريمه، أما إن في الحديث الصحيح إباحته ـ فذكر حديث الجاريتين. ثم قال: ـ فلو كان الغناء حراما ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أنكره أبو بكر بظاهر الحال، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم بفضل الرخصة، والرفق بالخليقة في إجمام القلوب؛ إذ ليس جميعها يحمل الجد دائما. وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يوم عيد يدل على كراهية دوامه، ورخصته في الأسباب كالعيد والعرس، وقدوم الغائب، ونحو ذلك من المجتمعات التي تؤلف بين المفترقين والمفترقات عادة. وكل حديث يروى في التحريم أو آية تتلى فيه فإنه باطل سندا، باطل معتقدا، خبرا وتأويلا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الغناء في العيدين. اهـ.
وقد سبق لنا التنبيه ـ كما في الفتوى الأخيرة المحال عليها سابقا ـ على أن الغناء أنواع، ولكل نوع حكمه من الحل أو الحرمة، وأما آلات اللهو والمعازف فمحل إجماع من المعتبرين.
ويمكن للسائل إذا أراد الوقوف على تفصيل ذلك الرجوع إلى كتاب الشيخ عبد الله رمضان موسى الذي ضمنه الرد العلمي على أربعة من الكتب المعاصرة في إباحة الغناء والموسيقى، وهو كتاب جامع في بابه، كما سبق أن نبهنا عليه في الفتوى رقم: 139730.
والله أعلم.