الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج مشوار طويل يتعلق بالزوجين، يختار كل منهما من يغلب على الظن أن تدوم عشرته معه، ولا ينبغي للوالدين التدخل في حياة ابنهما إلا على وجه تتحقق به المصلحة، فالحيلولة بينه وبين من تعلق قلبه بها، ويرغب في خطبتها ليس من الحكمة في شيء ما لم يكن مبنيا على أساس صحيح لا على هوى أو معاندة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
فلا إثم عليك ـ إن شاء الله ـ إذا تزوجك هذا الرجل بغير رضا أمه، فعلى هذا الشاب أولا أن يكثر من الدعاء أن يلين قلب أمه ويحملها على الموافقة على هذا الزواج، ولا ييأس، فإن الله سبحانه يجيب دعاء من دعاه ويحقق بغية من رجاه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وليستمر في توسيط الشفعاء إليها، فالغالب في الأم الشفقة على ابنها والحرص على مصلحته فلعلها أن ترضى وتستجيب، فإن تم ذلك فالحمد لله، وإلا فالأصل أن يطيع أمه، لأن طاعته لأمه واجبة عليه، وزواجه منك بعينك لا يجب عليه، والواجب مقدم على ما ليس بواجب، لكن إن خشي على نفسه الضرر بعدم الزواج منك فيجوز له تزوجك، وليجتهد بعدها في إرضاء أمه، وراجعي الفتوى رقم: 93194.
ومهما أمكنه بر أمه كان أولى، وعسى الله أن يفتح عليه بذلك من أبواب الخير ما لا يخطر له على بال، وهذا كله من جهته هو، وأما من جهتك أنت: فإن لم يتيسر زواجه منك فاصرفي النظر عنه، وسلي الله أن يرزقك زوجا خيرا منه فالرجال غيره كثير، والمسلم لا يدري أين الخير، ومن هنا عليه أن يفوض أمره إلى الله، فهو القائل سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
والله أعلم.