الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولا: الشاخص أو النصب الذي بمنى سواء الشاخص القديم الذي أزيل، أو الشاخص الجديد الذي زيد في عرضه لتخفيف الزحام إنما هو علامة على موضع رمي الجمرات وليس هو ذات المرمى.
قال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: والعبرة بمجتمع الحصى لا ما سال عنه، ولا الشاخص.
وفي دقائق أولي النهى: أن المرمى مجتمع الحصى عادة لا الشاخص نفسه.
وفي الموسوعة الفقهية: وليست الجمرة هي الشاخص ( العمود ) الذي يوجد في منتصف المرمى, بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك الشاخص, فليتنبه لذلك.
وعلى ذلك فمحاولة البعض تضخيم شأن الشاخص وكأنه هو المرمي، إنما هو استغلال لبسطاء الناس للتلبيس عليهم، وإثارة الفتن والبلابل.
ثانيا: ينبغي لمن أراد السؤال عن سبب وقوع شيء ما أن يبدأ بالتثبت من وقوع ذلك الشيء أصلا، فإن ثبت وقوعه سأل عن سببه بعد ذلك. والقول بأن الشاخص الذي على جبل عرفة قد نقل من عند جمرات منى كلام غير صحيح، وإنما هو محض ادعاء. فبناء هذا الشاخص أو العلم يرجع إلى فترة مبكرة سابقة على التاريخ الحديث لبلاد الحرمين.
قال فضيلة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه: (جبل إلال بعرفات – تحقيقات تاريخية شرعية): مضت القرون الثلاثة الفاضلة، بل والقرن الرابع كذلك، ولم يسجل المؤرخون وغيرهم إحداثا في جبل إلال والموقف، إذ كان الأمر جاريا على الإسلام والسنة والسلامة والسداد، لكن لما بعد الناس من أنوار النبوة أخذت تدب إليهم بعض المحدثات، فكان منها ما كان على جبل إلال بعرفة حتى بلغت البدع المحدثة على هذا الجبل وما حوله نحو ثلاثين بدعة....
وقال أيضا: الشاخص: قال ياقوت (ت) سنة 626 ، في معجم البلدان: 4/105: (وفيه علم). انتهى.
قال البشاري (ت) نحو سنة 380 في رحلته: "أحسن التقاسيم" ص/79: والموقف منها – من عرفة – على صيحة عند جبل متلاط، وثم سقايات، وحياض، وقناة تخر، وعلم قد بني، يقف خلفه الإمام للدعاء، والناس حوله على جبال بقربه لاطية. انتهى.
وفي مرآة الحرمين 1/44: وفيه - جبل الرحمة – ترى العلم الذي في أعلى جبل الرحمة. انتهى.
وفي التاريخ القويم 6/40 قال: وبوسط سطحه – أي سطح جبل الرحمة – علم مبني بالحجارة، طوله نحو ثلاثة أمتار أو أربعة، يعلق فيه ليلة عرفة جملة مصابيح. انتهى.
أقول: هذا الشاخص، ويقال: (العلم) و(النصب) ما زال موجودا بارتفاع 8 أمتار ، وعرض 80 سم. اهـ.
والله أعلم.