الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعارف بين الرجال والنساء الأجنبيات ـ ولو كان بغرض الزواج ـ باب فتنة وذريعة فساد، وإنما ينبغي على من أراد خطبة امرأة أن يأتي البيوت من أبوابها, فيخطبها من وليها، فإن أجابه فبها ونعمت، وإن قوبل بالرفض انصرف عنها إلى غيرها, وانظر الفتوى رقم: 1769.
وعليه، فالواجب عليك أن تقطع علاقتك بتلك الفتاة، وإذا عزمت على زواجها فلتتقدم إلى أوليائها، وإذا أخبرتها بزواجك الأول، فالراجح أنه لا يجوز لها اشتراط تطليقها، وأنه شرط باطل، لكن العقد لا يبطل بذلك، جاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية: إذا شرطت عند العقد طلاق ضرتها، فهذا الشرط اختلف العلماء فيه: هل هو صحيح أم فاسد؟ فذهب الحنابلة إلى صحته، فعندهم يجب الوفاء به، أو خيار الفسخ له إذا لم يف، وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه شرط باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد، وعلى هذا، يبطل الشرط ويصح النكاح؛ لأن هذا ليس من الشروط المبطلة للعقد.
وبهذا يعلم السائل أن العقد صحيح على كل حال، وإذا كنت لا تقدر على الجمع بين زوجتين, وتحتاج للزواج، فلا حرج عليك في طلاق الأولى، فإن الطلاق مباح للحاجة، قال ابن قدامة عند كلامه على أقسام الطلاق: والثالث: مباح, وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة, وسوء عشرتها, والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.
لكن الذي ننصحك به ألا تتعجل في طلاق زوجتك، واعلم أن محافظة الزوج على حدود الله، وحرصه على غض بصره عن الحرام من أهم أسباب قناعة الزوج بزوجته، كما أن إطلاق البصر في المحرمات, والتهاون في الكلام مع النساء الأجنبيات, ونحو ذلك، يزهّد الزوج في زوجته, ولو كانت أجمل نساء الأرض، ويفتح الأبواب للشيطان ليزين له الافتتان بغيرها, والنفور منها، كما أن حصول المودة والتفاهم بين الزوجين يحتاج إلى الصبر, وإلى التجاوز عن بعض الأخطاء, والتغاضي عن الزلات والهفوات, والنظر إلى الجوانب الطيبة في أخلاق الطرف الآخر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِي مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم.
قال النووي - رحمه الله -: أَيْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا, بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ, أَوْ جَمِيلَةٌ, أَوْ عَفِيفَةٌ, أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وقد يندفع الإنسان وراء رغبة عارضة, ثم يندم, ولا يحصل مراده، قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في كتاب صيد الخاطر: أكثر شهوات الحس النساء, وقد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، أو يتصور بفكره المستحسنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوج والتسري، فإذا حصل له مراده، لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة، التي ما كان يتفكر فيها، فيملّ، ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن، منها أن تكون الثانية لا دين لها، أو لا عقل، أو لا محبة لها، أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل.
والله أعلم.