الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمسألة ميراث المسلم من قريبه الكافر فيها خلاف بين أهل العلم ذكرناه مع ما نراه راجحا في الفتاوى التالية أرقامها: 20265، 57018، 201643.
وعلى القول بالإرث، فإن البنت ترث نصف المال إذا انفردت، والذي يمكننا قوله لك هو أنه يجوز لزوجتك أن تطلب من أمها أن توصي لها بثلث تركتها, والقائلون بمنع إرث المسلم من الكافر يُجَوِّزُون أخذ المسلمُ الوصية التي أوصى له بها الكافر.
وأما أن تطلب منها أن توصي لها بكل مالها: فإن هذا ينبني على صحة وصية الكافر إذا أوصى بأكثر من الثلث، والذي وقفنا عليه من كلام الفقهاء هو التفريق بين الكافر الذي في دار الإسلام ومعه فيها وارثه، وبين الكافر الذي ليس في دار الإسلام أو ليس معه وارثه فيها, فإن كانت أمها في دار الإسلام وكان معها بعض ورثتها من الكفار، فإن وصيتها بأكثر من الثلث لا تنفذ إلا برضى الورثة، لأنها ما دامت في دار الإسلام فهي ملزمة بأحكامه, جاء في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي عن وصية الكافر بأكثر من الثلث: غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَخَلَ وَارِثُهُ مَعَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَقَفَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ، لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ مُسْتَأْمَنًا الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَلْزَمَهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ لِإِمْكَانِ إجْرَاءِ الْأحْكَامِ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِمَّنْ لَهُ وَارِثٌ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ... اهـ.
وإن كانت أو ورثتها في دار الكفر فلا مانع من أن توصي لها بكل مالها, لأن منع الوصية بأكثر من الثلث إنما هي لحق الورثة, والكافر خارج دار الإسلام حقه غير مرعي, جاء في كنز الدقائق عن وصية الحربي: وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ، لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ، لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ، وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، فَيَجُوزُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ، لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ. اهـ.
وإذا كانت زوجتك حديثة عهد بالإسلام، وأصرت على أن ترث، وخَشِيتَ على إيمانها إن هي لم ترث من أمها الكافرة فلا تُفتِها أو تنصحها بعدم الإرث، لأن القول بإرثها من أمها قال به جمع من أهل العلم, والأخذ به خير بلا شك من شكها في الإسلام أو نفورها منه أو ارتدادها عنه، وإذا كان الكافر إذا رُجِيَ إسلامُه يُعطى من الزكاة لأجل تأليف قلبه فأحرى بحديث العهد بالإسلام أن يكون له سعة في الأخذ بقول يُجيز له الميراث.
والله أعلم.