الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور العلماء على تحريم زواج البنت من الزنا، قال ابن قدامة - رحمه الله -: ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنى، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنى, وهو قول عامة الفقهاء.
وذهب بعض العلماء إلى عدم التحريم؛ بناء على أنّ الزنا لا يثبت به النسب, فتكون أجنبية عنه، قال النووي - رحمه الله -: زَنَا بِامْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ بِنْتًا، يَجُوزُ لِلزَّانِي نِكَاحُ الْبِنْتِ، لَكِنْ يُكْرَهُ, وَقِيلَ: إِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ، إِنْ تَصَوَّرَ تَيَقُّنَهُ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: تَحْرُمُ مُطْلَقًا, وَالصَّحِيحُ: الْحِلُّ مُطْلَقًا.
وقول الجمهور هو الصواب - والله أعلم - لأن البنت مخلوقة من مائه, فتحرم عليه، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23], وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ.
وقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ -:عَنْ بِنْتِ الزِّنَا: هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا, وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ: هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
والله أعلم.