الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأما السؤال عن إمكان أن يغفر الله لوالدتك مع إصرارها على الكهانة: فجوابه أن هذا ينبني على حقيقة ما تفعله أمك هل هو شرك أم دون ذلك؟ فإن كان من الشرك، فإن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه لا يغفره، وإن كان ما تفعله معصية دون الكفر فهي تحت مشيئة الله إن شاء عذبها وإن شاء غفر لها, قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}.
والكهانة إن تضمنت ادعاء غيب ونحوه كانت كفرا أكبر مخرجا من الملة, وإلا كانت معصية, والفقهاء مختلفون في حكم الكاهن, جاء في الفروع: وَالْكَاهِنَ وَالْعَرَّافَ هَلْ يَلْحَقُونَ بِالسَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ، أَمْ يُعَزَّرُونَ فَقَطْ؟ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَأَطْلَقَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ، بَلْ يُعَزَّرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ....
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حُكْمُهُمْ حُكْمُ السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فَسَّقَهُ فَقَطْ.. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: حُكْمُ الْكَاهِنِ مِنْ حَيْثُ الرِّدَّةِ وَعَدَمِهَا: قَال الْفُقَهَاءُ: الْكَاهِنُ يَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ، لأِنَّهُ يَتَعَارَضُ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ، قَال تَعَالَى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ـ أَيْ عَالِمُ الْغَيْبِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ فَلاَ يُطْلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَاهُ لِلرِّسَالَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ فِي غَيْبِهِ... قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ التَّتَارْخَانِيَّةَ: يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ، أَوْ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إِخْبَارِ الْجِنِّ إِيَّايَ.... وَقَال: كُل مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَل إِنْ لَمْ يَتُبْ وَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ أَحَدَ عَشَرَ، وَذَكَرَ مِنْهُمَ الْكَاهِنَ, وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ الْمُنَجِّمُ وَمَنْ ضَاهَاهُ مِمَّنْ يَضْرِبُ بِالْحَصَى وَيَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ وَيَزْجُرُ بِالطَّيْرِ مِمَّنِ ارْتَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَسُولٍ فَيُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ، بَل هُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِحَدْسِهِ وَتَخْمِينِهِ وَكَذِبِهِ... اهــ
وقال الشيخ صالح الأطرم: وحكم الكهانة كفر في الجملة وكذلك التصديق بها، فإذا تضمنت اعتقاد جواز اتخاذ هذه الوسائل الشركية وإضافة علم الغيب للمخلوق فهذا كفر، وإن كان عمله دجلاً ومجرد ادعاء من دون استخدام الجن وتخرصاً وتمويهاً على العامة، فهذا حرام ويكون كفراً دون الكفر الأكبر. اهـ.
والمهم الآن أن تجتهد في نصحها وكفها عن الكهانة ولو بإخبار الوالد, وقد ذكرنا لك في الفتوى السابقة أن إخبار الوالد ليكفها عن الكهانة لا يعتبر عقوقا، بل هو في حقيقته إحسان إليها وإنقاذ لها مما هي فيه من الضلال والتضليل، ولا يضرك غضبها عليك إن علمت أنك أنت من أخبرته، وأما عن ترك أخيك للصلاة: فاستمر في نصحه وإن يئست منه فاهجره إن ظننت أن ذلك يفيد، واجتهد في الدعاء له بالهداية، وانظر الفتويين رقم: 17419، ورقم: 185707، عن كيفية التعامل مع الأخ غير المصلي وغيره.
والله أعلم.