الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجمهور العلماء ومنهم الأئمة الاربعة على أن الوصية مستحبة، إلا إذا تعلق بذمة الإنسان حق لله كزكاة أو حج أو كفارة، أو حق للعباد في دين أو وديعة أو غير ذلك، فتجب الوصية حينئذ كوسيلة للخروج من الحق الواجب.
وذهب جماعة من السلف كعطاء والزهري وسعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس إلى وجوب الوصية على من ترك مالاً، وبهذا قال ابن حزم أيضاً.
وبالنظر في أدلة الفريقين يتضح رجحان مذهب الجمهور، ولهذا قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أن الوصية غير واجبة، إلا على من عليه حقوق بغير بينة، وأمانة بغير إشهاد، إلا طائفة شذت فأوجبتها.
والقائلون بإيجاب الوصية جعلوا ذلك عاماً في الأقارب غير الوارثين، ولم يخصوه بأحفاد المتوفى، كما ذهب إليه قانون الوصية المصري.
وحاصل ما عليه هذا القانون أن الوصية تجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات، ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلت طبقاتهم، وصية بمثل ما كان يستحقه أبوهم ميراثاً في تركة أبيه لو كان حياً عند موت الجد، في حدود الثلث، بشرط أن يكون الحفيد غير وارث، وألا يكون الجد الميت قد أعطاه بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يحب له.
واستند القانون إلى قول من أوجب الوصية من السلف، وإلى قول ابن حزم رحمه الله.
والحق أن المتقدمين من السلف لم يقصروا الوصية على الأحفاد، ولم يقدروها بنصيب الأب لو كان حياً.
وثمة مؤاخذات عدة على هذا القانون، نذكر منها:
1 -أنه قد يوجد من الأقارب غير الوارثين من لا يقل حاجة عن الأحفاد، وهؤلاء لم يعتبرهم القانون المذكور. ومن ذلك ما إذا مات الرجل عن أم وإخوة لأم، وأم لأب، فإن الجدة أم الأب في هذا المثال محجوبة بالأم، وقد تكون، محرومة لا عائل لها.
2- أن هذا القانون يترتب على تطبيقه وجود حالات شاذة لايمكن قبولها، ومن ذلك:
أ- أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن، فلو مات شخص عن بنت، وبنت بنت، وبنت ابن، وترك 30 فداناً فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية.
وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضاً ورداً بنسبة 1:3، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذت بنت البنت.
ب - أن تأخذ بنت الابن أكثر من البنت، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين، وبنت ابن، وأخت شقيقة، وترك 18 فداناً فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة، لكل منهما 4 أفدنة، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة.
وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر، وتصديق لقوله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
وقد تولى الله سبحانه وتعالى قسمة الميراث بنفسه سبحانه وتعالى، وهو أعلم بحال خلقه وما يصلحهم، فالواجب الاقتصار على ذلك، والصواب هو مذهب جمهور العلماء ولا شك، وقانون الوصية الواجبة خارج عن قول الجمهور، وخارج أيضاً عن قول من أوجب الوصية للأقارب غير الوارثين، وهذا الأخير مذهب مرجوح كما سبق.
وقولنا بعدم وجوب هذه الوصية لا يتنافى مع حثنا لصاحب المال أن لا ينسى أقاربه المحتاجين، وبالأخص حفدته ممن لا يرث، يستحب أن يوصي لهؤلاء بما لا يزيد عن ثلث التركة.
وللوقوف على تفصيل هذه المسألة ينظر أحكام الوصايا في الفقه الإسلامي للدكتور علي بن عبد الرحمن الربيعة وقد اعتمدنا عليه في هذه الفتوى.
والله أعلم.