الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأرزاق العباد في السماء والأرض، ومكان رزق كل عبد بعينه لا يعلمه إلا الله، والرزق مقسوم ومنه طالب ومنه مطلوب، فالطالب يطلبك أينما كنت، والمطلوب تطلبه بأسبابه الشرعية أينما كان، قال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ {يونس:31}. وقال: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون {الذاريات:22{ وقال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ {الأعراف:10}.
فالعباد أرزاقهم من السماء والأرض، وأما الشخص المعين فلا يعلم مكان رزقه قبل كسبه إلا الله فهو علام الغيوب، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا {لقمان:34}.
ورزق كل عبد مقسوم، كما في حديث ابن مسعود:... ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ.
والرزق نوعان: رزق يطلب العبد ورزق يطلبه العبد، فالأول رزق طالب يطلب العبد حيثما كان كالميراث لا يحصله الوارث بكده ولا باختياره، فهذا يحصل للعبد بغير سعي ولا اكتساب.
والثاني رزق مطلوب يطلبه العبد حيثما كان، فما يحصله الزراع والتجار والعمال من ثمار وأجور ونحوها، وهذا لا يحصل له إلا بسعي واكتساب، وكلا القسمين مقدر مقسوم.
قال الإمام ابن تيمية: الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه، ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب كموت مورثه يأتيه به بغير اكتساب.
ولزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 104118.
وبهذا يرتفع إشكال السائل أن رزقه من أي القسمين، فمن ظن أن الرزق كله طالب للعبد ففي عقله خلل، قال ابن تيمية: وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوَكُّلَ يُغْنِي عَنْ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَهُوَ ضَالٌّ، وَهَذَا كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ بِدُونِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّه.
وكذلك من ظن أن الرزق المتوقف على السعي والكسب ينال بمجرد الطلب دون التوكل فهذا شرك في الأسباب، قال ابن تيمية: فَالِالْتِفَاتُ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُعْتَمِدًا عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَاَللَّهُ يُيَسِّرُ لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا يُصْلِحُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 20434.
ولمزيد من بيان علاقة زرق العبد بمكانه انظر الفتويين رقم: 137806، ورقم: 133186.
والله أعلم.