الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك في فضل الرباط والشهادة، ولكن هذا الرجل المتوفي أخيرا كان مرابطا مثل الأول وزاد عليه بما عمل من صلوات وصيام وإنفاق وربما كان متمنيا للشهادة بصدق، وقد ذكر الطحاوي في مشكل الآثار: أن ما يعطاه الميت في رباطه ينقطع ذلك عنه كما ينقطع عمل غيره من الموتى عنه, وإن كان عمله ينمو له إلى يوم القيامة، فإنه ذلك العمل بعينه لا عمل سواه يلحق به, وكان الرجلان المهاجران المذكوران في الآثار التي رويناها هاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معا، فتساويا في ذلك, وأقاما عنده باذلين لأنفسهما فيما يصرفهما فيه من جهاد ومن غيره من الأشياء التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ويصرف المقتول منهما في الجهاد حتى قتل فيه, ولم يكن يصرفه ذلك ـ والله أعلم ـ إلا بتصريف رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فيه، وعسى أن يكون صاحبه قد كان معه في ذلك فساواه فيه، وزاد الآخر عليه الشهادة التي قد بذل نفسه لمثلها فكان ذلك في معنى الشهيد وإن كان الشهيد بفضله فيما حل به من القتل فإنه قد بذل نفسه لذلك، ثم عاش بعده حولا في هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك من الفضل إنفاق ماله، فتفرد بذلك على صاحبه، وكان في ذلك مصليا صلوات مدته تلك، وصائما شهر رمضان الذي مر عليه فيها، ولذلك من الفضل ما له، فلم يكن في ذلك مما يجب أن ينكر تجاوزه لصاحبه في المنزلة في الثواب عليها، وفي استحقاق سبقه إياه إلى الجنة, ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هو دون مثله: من سأل الله عز وجل الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله عز وجل منازل الشهداء وإن مات على فراشه قال أبو جعفر: وأحوال الرجل التي ذكرنا في هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلبثه معه للتصرف فيما يصرفه فيه وإعماله الأعمال الصالحة, وبذله نفسه لأسباب الشهادة فوق ذلك. اهـ.
والله أعلم.