الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالكلام الذي استشكله الأخ السائل ذكرناه في الفتوى رقم: 117416 نقلا عن كتاب الولاء والبراء في الإسلام لمؤلفه سعيد القحطاني، وتقديم العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى.
وجملة: " واتخاذهم أعواناً وأنصاراً " ذُكِرَت في سياق التولي العام, والمراد بها اتخاذهم أعوانا وأنصارا في محاربة المسلمين والدلالة على عوراتهم، وفيما يتعلق بالدين, وليس المقصود فيما يتعلق بالأمور الدنيوية.
ولذا قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {آل عمران:28}.
قال: وهذا نهيٌ من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفارَ أعوانًا وأنصارًا وظهورًا ... ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين. اهــ.
وقال في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. {المائدة: 51 }
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهَىَ المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله، وغيرَهم، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا، ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان. اهــ.
وقال الله تعالى عن المنافقين: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً. {النساء : 139}.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: تَضَمَّنَتِ الْمَنْعَ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِ، وَأَنْ يُتَّخَذُوا أَعْوَانًا عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: (ارْجِعْ فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ) , (الْعِزَّةَ) أَيِ الْغَلَبَةُ، عَزَّهُ يعزه عِزًّا إِذَا غَلَبَهُ. (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) أَيِ الْغَلَبَةُ وَالْقُوَّةُ لِلَّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ) يريد عند بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَإِنَّ ابْنَ أُبَيٍّ كَانَ يُوَالِيهِمْ. اهــ.
فاتخاذ الكفار أعوانا وأنصارا لاستجلاب العزة هو من سبيل المنافقين, وقد بينا جواز الاستعانة بالكافر في الأمور التي لا تتصل بالدين مثل: الطب ونحوه في الفتوى رقم: 17051.
وأما ما ذكرته من محبة الكافر لأجل حسن خلقه مع بغض دينه. فاعلم أولا أن الكافر وإن وُجِد عنده حسنُ خُلقٍ فيما بينه وبين الناس، فإنه ليس حَسَنَ الخُلِقِ فيما بينه وبين الله تعالى، فهو سيئ الخلق مع ربه حين كفر به, وقد قال تعالى: وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا. سورة الفرقان: 55]. والمعنى وكان الكافر معينا للشيطان على ربه، مظاهرا له على معصيته, ومنظومة الأخلاق ليست مقتصرة على التعامل مع الناس بل تشمل المعاملة مع خالق الناس تعالى .
فمحبة الكافر لا ينبغي أن تبرر بحسن خلقه فهو -في الحقيقة- بكفره يعتبر سيئ الخلق، ومع ذلك فمحبته على هذا الوجه لا حرج فيها. ويُرخص في المحبة الجبلية له إن كان قريبا، أو زوجة ونحو ذلك كما بيناه في الفتوى رقم:219466. وراجع أيضا فتوانا رقم: 151751 بعنوان: هل يشرع محبة الكافر لحسن خلقه مع بغض ما هو عليه من الكفر.
والله تعالى أعلم