الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالدليل على وجود الله عز وجل أمران:
أحدهما: مقروء، والآخر: مرئي:
فأما الأول، فهو ما أنزله الله من الآيات البينات في كتابه العزيز، قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، وقال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3]، وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا [الأنبياء:43]، فقد شهد الباري عزّ وجل بوجوده، وأنه إله الكون، وخالقه، وكفى بالله شهيدًا، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53].
وأما الأمر الثاني، فهو النظر، والاعتبار، والتفكر في هذا الكون الفسيح، والسير في أرجائه؛ لأخذ العبرة منه: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت:20]، وقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53].
وقد حث الله تعالى الخلق على تدبر هذا الكون، ومعرفة أسراره؛ ليستفيدوا من ذلك الإيمان بخالقهم سبحانه، قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذريات:20-21]، وقال تعالى في معرض الحديث عن الدلائل على وجود الخالق؛ ليقر العباد بطريق الإلزام بربهم سبحانه وتعالى، فيعبدوه وحده لا شريك له: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35-37]، فالله عز وجل يقول لهؤلاء المنكرين خالقهم: أنتم -أيها البشر- موجودون، وهذه حقيقة لا تنكرونها، وكذلك السماوات والأرض موجودتان، ولا شك في ذلك، وقد تقرر في العقول أن الموجود، لا بدّ له من سبب لوجوده، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء، فيقول: إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير!؟ فكيف لو قال شخص: إن السماوات والأرض، أو هو نفسه قد وجد دون خالق مدبر حكيم عليم، بيده مقاليد كل شيء؟! قال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89].
فإذا تقرر عند العبد وجود الخالق جل وعلا، استوجب ذلك التقرب إليه بالعبادة، والسعي في رضا مولاه.
والله أعلم.