الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت متأكدًا من استخدام هذا البرنامج استخدامًا سيئًا فعليك بنصح صديقك, ومن أمكنك نصحه من الزملاء وتذكيرهم أن هذه البرامج والتقنيات الحديثة نعمة من الله تعالى يتعين على العباد استخدامها فيما يرضيه, والبعد عن استعمالها فيما يسخطه؛ لأن الله تعالى أتم النعم ليشكره العباد وينقادوا له انقيادًا كاملاً، قال الله تعالى: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6}، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81}.
واما هجرانك لصديقك قبل التناصح معه فهو خطأ, فقد كان الواجب أن تنصحه أولًا، ثم إن أصر على التمادي في طريق الباطل فيشرع هجره إن علمت أن ذلك يردعه, أو خفت من التأثر بباطله, فقد قال ابن العربي المالكي: إن كانت الهجرة لأمر أنكر عليه من الدين, كمعصية فعلها, أو بدعة اعتقدها، فيهجره حتى ينزع عن فعله وعقده، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في هجران الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة حتى صحت توبتهم عند الله، فأعلمه فعاد إليهم. اهـ.
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. وقال كعب حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا, وذكر خمسين ليلة.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص لمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فبين هنا السبب المسوغ للهجر, وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها. اهـ.
وأما من كان لا يتأثر بالهجران فلا ينبغي هجره, ولا الملل من كثرة دعوته ومناصحته ومحاورته وجداله بالتي هي أحسن, وبيان الحق له حتى يرجع للرشد والصواب؛ لأنه ليس في هجره فائدة, بل هو مخالف لمنهج الأنبياء, فإنهم ما هجروا أقوامهم مع حرصهم على الشرك وتماديهم عليه، فقد صبر نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا.
ولا نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هجر بعض أصحابه إلا بعد إقامته لدولة الإسلام في المدينة, وتمكن الإسلام فيها؛ ولذلك كان لهجره للثلاثة الذين خلفوا أثر كبير عليهم حيث ضاقت عليهم الأرض, وضاقت عليهم أنفسهم وكانوا صادقين في توبتهم.
والله أعلم.