ميراث دية الجنين الذي أجهضته أمه

18-9-2013 | إسلام ويب

السؤال:
عفوا لقد بعثت بسؤالي هذا رقم: 2402625، بتاريخ 11ـ 04ـ 2013، ووصلتي الفتوى رقم: 2107550، والتي لا علاقه لها به وسؤالي هو: أجهضت جنينها غير الشرعي في أربعة أشهر فلمن تدفع الدية؟ بمعنى من هم ورثة الجنين؟ علما بأنه ليس للزانية أطفال، ولها أم، وجدة ـ أم الأم ـ وثلاثة إخوة، وأربع أخوات، وخالات، فمن منهم يستحق الدية؟ وما هو نصيب كل شخص؟.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجريمة الزنا لا تبرر جريمة الإجهاض، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 6045، ورقم: 47191.

ومتى خرج الحمل عن طور النطفة، وذلك بعدما تمر عليه أربعون يوما ويدخل في الأربعين الثانية، فإنه تلزم فيه دية الجنين ـ غرة ـ على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد سبق لنا بيان ذلك وتعليله في الفتويين رقم: 9332، ورقم: 130939.

والذي يظهر من السؤال أن الأم هي التي أجهضت جنينها عمدا، وعندئذ لا تستحق شيئا من إرثه، ويلزمها دفع ديته لمن عداها من ورثته، وهم في مسألتنا المذكورة: جدته ـ أم أمه ـ ولها السدس، والباقي لعصبة أمه بالنفس، وهم أخواله الذكور الثلاثة وحدهم، ولا شيء للخالات، لأنهن عصبة بالغير، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم في ميراث ابن الزنا، فإنهم قد اختلفوا في ذلك، قال ابن عبد البر في التمهيد: اختلف العلماء في ميراث ولد الملاعنة، فقال قائلون: أمه عصبته، وممن قال ذلك عبد الله بن مسعود وجماعة، قال ابن مسعود: أمه عصبته، فإن لم تكن، فعصبتها، وقال آخرون: عصبته عصبة أمه، قال ذلك جماعة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، قال: ابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها، والقائلون بهذين القولين يقولون بتوريث ذوي الأرحام... وقال ابن مسعود: عصبته عصبة أمه، وهو قول الحسن وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والنخعي وحماد والحكم وسفيان والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وأبي عبيد، إلا أنهم اختلفوا، فمنهم من لم يجعل عصبة أمه عصبته إلا عند عدم أمه، ومنهم من أعطاها فرضها وجعل الباقي لعصبتها ابنا كان لها، أو أخا لابنها، أو غيره من عصبتها، والذين جعلوا أمه عصبته، فإذا لم تكن، فعصبتها، احتجوا بحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المرأة تحرز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وابنها الذي لاعنت عليه ـ وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها.. اهـ.

وقال الخطابي في معالم السنن: جعل ابن الملاعنة، لأمه ولورثتها من بعدها ظاهره أن جميع ماله لأمه في حياتها، ولورثتها إن كانت أمه قد ماتت، وإلى هذا ذهب مكحول والشعبي وهو قول سفيان الثوري، وقال أحمد بن حنبل: ترثه أمه وعصبة أمه وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قالا: الأم عصبة من لا عصبة له، وقال مالك والشافعي: إن كانت أمه مولاة كان ما فضل عن سهمها لمواليها، وإن كانت عربية، فإن ما بقي لبيت المال، وهو قول الزهري.. اهـ.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ميراثه لأمه ولقرابتها، كما يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور، وتكون عصبته عصبة أمه، وقد روي نحو ذلك عن علي وابن عباس، فيكون للأم سهم، ثم لعصبتها على الترتيب. اهـ.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: هذه الآثار المصير إليها واجب، لأنها قد خصصت عموم الكتاب، والجمهور على أن السنة يخصص بها الكتاب، ولعل الفريق الأول ـ يعني الجمهور الذين يقولون: ليس لأمه إلا الثلث والباقي لبيت المال ـ لم تبلغهم هذه الأحاديث، أو لم تصح عندهم، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعثمان، وهو مشهور في الصدر الأول، واشتهاره في الصحابة دليل على صحة هذه الآثار، فإن هذا ليس يستنبط بالقياس. اهـ.

وعلى ترجيح القول بأن الأم عصبة ولدها من الزنا، فإن عدمت فالوارث هو عصبتها، فإن المراد بالعصبة هنا: العصبة بالنفس دون العصبة بالغير، على الراجح، لأن التوريث هنا ليس بالفرض، وإنما بالتعصيب، فيكون لأولى رجل ذكر، فلو اجتمع الخال والخالة فلا شيء لها، لأنها عصبة بالغير، قال ابن قدامة في المغني: إن خلف ابن أخته وبنت أخته، أو خاله وخالته، فالباقي للذكر. اهـ.

وقال البهوتي: إن خلف خالة وخالا ومولى أم، فالكل للخال، لأنه عصبة من ذوي النسب، والخالة من ذوي الأرحام، والمولى مؤخر عن عصبة النسب... ومنه يعلم أن المراد بعصبة الأم العصبة بالنفس لا بالغير. اهـ.

وقال الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء: قال سفيان في ابن الملاعنة: ترك خالا وخالة، فالمال للخال.. الخال عصبة الأم. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد: من انقطع نسبه من الأب لكونه منفيا بلعان، أو ولد زنا، أو استلحقته امرأة دون زوجها وألحقناه بها، ورثت أمه وذو الفروض منهم فروضهم، فكان عصبته بعد ذكور ولده عصبة أمه، اختارها الخرقي، وعنه أن أمه عصبته، فإن لم تكن، فعصبتها، وعنه إن كان له ذو فرض رد عليهم، وإن لم يكن ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه، حكاها القاضي، فعلى هذه: إذا خلف أما وبنتا وخالا، فالباقي بعد سدس الأم ونصف البنت: رد عليهما، وعلى الثانية هو للأم، وعلى الأولى هو للخال، ولو خلف: الأم ومولاها، فالباقي بعد ثلث الأم لمولاها على الأولى، ولها على الثانية والثالثة، وقد تضمنت الثالثة تقديم الرد على الولاء، وإن خلف: خالا وخالة.. فالمال للخال رواية واحدة. اهـ.

تنبيه: هذا الجواب بناء على  أن إخوة الأم وأخواتها هنا هم أشقاؤها، وكذلك يكون الحال إذا كانوا لأب، وأما إن كانوا ـ أو بعضهم ـ إخوة لأم، فليسوا عندئذ من عصبة الأم، بل هم من ذوي الأرحام، فلا سهم لهم في الميراث، لأن الرد مقدم على توريث ذوي الأرحام، قال ابن قدامة: الرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام، فمتى خلف الميت عصبة، أو ذا فرض من أقاربه أخذ المال كله، ولا شيء لذوي الأرحام، وهذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام. اهـ.

والله أعلم.

www.islamweb.net