الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل المنازعات التي لا يمكن الحكم الدقيق فيها إلا بعد الإحاطة بملابساتها، وهذا ما ليس ممكنا بالنسبة لنا، والذي نستطيع أن نقوله لك هو أن الظاهر من سياق السؤال ـ والله تعالى أعلم ـ أن هذا الوسيط قد غر هذه الأم بهذا البيع، والغرر عن قصد من الخيانة للمسلمين والغش لهم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: من غش فليس منا.
فإن كان الأمر كذلك فقد تدخل هذه المسألة حكم المسترسل في البيع، والمسترسل كما جاء في الموسوعة الفقهية: هُوَ الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلا يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: الْمُسْتَرْسِلُ: هُوَ الَّذِي لا يُمَاكِسُ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرْسَلَ إِلَى الْبَائِعِ فَأَخَذَ مَا أَعْطَاهُ، مِنْ غَيْرِ مُمَاكَسَةٍ وَلا مَعْرِفَةٍ بِغَبْنِهِ. انتهى.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من حنفية ـ على ما عليه الفتوى عندهم ـ ومالكية وحنابلة إلى ثبوت الخيار بسبب الغبن إذا كان المتعاقدان قد غر أحدهما الآخر على تفاصيل لهم في ذلك، وهو قول عند الشافعية، قال الدردير في الشرح الكبيرعلى مختصر خليل المالكي: ولا يرد المبيع بغبن بأن يكثر الثمن، أو يقل جداً ولو خالف العادة بأن خرج عن معتاد العقلاء، وهل عدم الرد بالغبن إلا أن يستسلم المغبون ويخبره ـ أي يخبر صاحبه ـ بجهله، تفسير للاستسلام بأن يقول المشتري للبائع بعني كما تبيع الناس فإني لا أعلم القيمة، أو يقول البائع اشتر مني كما تشتري من غيري، أو غير ذلك، أو يستأمنه بأن يقول أحدهما للآخر: ما قيمته لأشتري بها، أو لأبيع بها، فيقول له قيمته كذا والحال أنه ليس كذلك، فهو تنويع ظاهري والمؤدى واحد فله الرد حينئذ قطعاً، أو لا يرد مطلقاً تردد، المعتمد منه الأول.. انتهى.
وفي حاشية الدسوقي: قوله والمتعمد منه الأول.. أي: وهو ما ذكره المصنف من أن محل عدم الرد بالغبن إذا وقع البيع على وجه المكايسة، وأما إن وقع على وجه الاستسلام بأن أخبره بجهله، أو استأمنه فإنه يرد للرجوع للغش والخديعة حتى أن بعضهم أنكر القول الثاني القائل بعدم الرد مطلقاً. انتهى.
وفي الفروع لابن مفلح الحنبلي: يثبت على الأصح لمسترسل جاهل بالقيمة إذا غبن، وفي المذهب: أو جهلها لعجلته، وعنه: ولمسترسل إلى البائع لم يماكسه، اختاره شيخنا، وذكره المذهب، وفي الانتصار له الفسخ ما لم يعلمه أنه غال وأنه مغبون فيه. انتهى.
وعلى كل، فالأولى عرض هذه المسألة على أهل العلم في بلدكم مشافهة، ولا بأس في أن يستعان بمجلس عرفي أو غيره إن كان سيعين على استرداد الحق المشروع، وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 63265.
والله أعلم.