الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعًا من محبة القيمة الخلقية المرضية وإن أتت من كافر، كالعدل, والإنصاف, والمواساة, وصيانة الحقوق, وبذلها لأصحابها، فهذا كله مما يحمد شرعًا وعرفًا وعقلًا، واحترام من يتصف بمثل هذه الصفات ـ ولو كان كافرًا ـ من الأمور المقبولة، ومدحهم عليها من العدل الذي قامت به السموات والأرض، وقد أثنى النبي صلي الله عليه وسلم على حلف المطيبين ـ حلف الفضول ـ ومدح عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ الروم فقال: إن فيهم لخصالًا أربعًا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم.
ولكن من جوانب هذا العدل التي يجب مراعاتها في الحكم عليهم ولا يجوز إغفالها: ما هم عليه من تضييع أهم الحقوق وأعظمها، وهو الإيمان بالله وتعالى وتوحيده وعبادته!! ثم تضييع حدود الأخلاق السوية على النحو الذي ذكره السائل من الغي الشديد, والفساد العريض الذي يصادم الفطرة وينكسها! وراجع في ذلك الفتويين رقم: 152465، ورقم: 153861.
وأما بخصوص الوضع المزري الذي ذكره السائل عن هذه البلاد: فلا ريب في أن كثرة المنكرات وشيوع الرذائل في بلد يُحل بها عقاب الله وعذابه، وينزل بها المثلات التي نزلت على الأمم السابقة، وعندئذ يعم البلاء الصالح والطالح، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120438.
ثم إن الإقامة في ديار الكفر من حيث هي: لا تجوز إلا لمن يستطيع أن يقيم شعائر دينه، ويأمن على نفسه الوقوع في الفتنة, ومع ذلك فالذي ينبغي أن يجتنب المسلم الإقامة هناك على أية حال؛ لما يترتب عليها من محاذير جسيمة ومخاطر عظيمة سبق لنا بيان بعضها في الفتوى رقم: 114297، ومنها ما يتصل بما ذكره الأخ السائل هنا.
والله أعلم.