الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا الحكم في مسألة صلاة الجماعة لأصحاب التدريبات الرياضية، كما في الفتوى رقم: 38429، فراجعها.
لكن ينبغي التنبيه إلى أنكم إن وجدتم في أنفسكم ما يؤذي المصلين في المسجد, كرائحة العرق الشديدة المؤذية، وشقَّ عليكم إزالته باغتسال ونحوه بعد الأذان وقبل انتهاء جماعة المسجد، فلا حرج عليكم في التخلف عن أداء الجماعة فيه، بل يكره دخولكم المسجد إن لم تحصل الإزالة، بل يحرم عند بعض أهل العلم كالمالكية؛ لما فيه من أذية العباد من الإنس والملائكة، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ. رواه مسلم وغيره.
ومثله كل ما كان له رائحة كريهة مؤذية، كما قال أهل العلم، وكما في الصحيحين عن عائشة: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا.
وعند مسلم: فتخرج منهم الريح.
وفي رواية: كان الناس أهلَ عمل، ولم يكن لهم كُفاةٌ ـ أي خَدمٌ ـ فكانوا يكون منهم تَفَلٌ، أي رائحة كريهة.
قال الدردير المالكي في الشرح الصغير: ويحرم على الراجح، وقيل: يكره... وذكر دخول آكل الثوم المسجد ونحوه، إلى أن قال: ومثل أكل ذلك من به جرح له رائحة كريهة، أو فيه صنان.
قال الصاوي في الحاشية: أي: ما دامت الرائحة باقية، فإن أزالها بشيء أو زالت من نفسها فلا منع.
وهو مكروه عند غيرهم, كالشافعية, والحنابلة، قال الحجاوي الحنبلي في الإقناع: ويكره حضور مسجد ـ ولو خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة، والمراد حضور الجماعة حتى ولو في غير مسجد، أو غير صلاة ـ لمن أكل ثوماً، أو بصلاً، أو فجلاً ونحوه حتى يذهب ريحه، وكذا جزار له رائحة منتنة، ومن له صنان، وكذا من به برص أو جذام يُتأذى به. اهـ.
وقال سليمان الجمل الشافعي في حاشيته على شرح المنهج: ومثل ذلك من بثيابه، أو بدنه ريح كريه يؤذي - كأرباب الحرف الخبيثة كقصاب - ومن به صنان مستحكم، أو بخر... إلخ.
بل نص الحنابلة في كتبهم على استحباب إخراج من كان كذلك من المسجد.
ووجود الريح الكريه عذر لترك الجماعة في المسجد ما لم يقصد حصول ذلك للتخلف عنها، إلا أن تسهل الإزالة، كأن تتوفر لكم حمامات اغتسال في النادي، أما إن عسرت لمشقة ونحوها فلا حرج ـ إن شاء الله ـ قال الشيخ باعشن الشافعي في شرح المقدمة الحضرمية عند ذكر أعذار ترك الجمعة والجماعة: وألحق بأكل ذلك كل كريهٍ من بدنه، أو مُماسِّهِ، كذي صنانٍ وقصّاب، ثم قال: وإنما يكون عذرًا إن لم تمكنْه - أي: تسهلْ عليه إزالته - وإلا فليس بعذر.
والأولى أن تتحروا في جماعتكم التي تصلونها في الملعب وقتاً تكون فيه الرائحة أضعف ما يمكن، كأن يكون بعد توقف التمرين, ومرور وقت تضعف فيه الرائحة بغسلٍ، أو هبوب ريح, ونحو ذلك بحيث لا تؤذي، فإن كثيرًا من أهل العلم كرهوا ذلك في جماعة المسجد وغيره، ثم إنكم تقفون بين يدي الله، كما أن الملائكة تحضر مجالس الطاعة, ولو في غير المسجد فتتأذى، كما قد مر عن صاحب الإقناع قوله: والمراد حضور الجماعة حتى ولو في غير مسجد أو غير صلاة. وقال النووي في شرح الحديث المار في صحيح مسلم: لكن يكره لمن أراد حضور المسجد، أو حضور جمع في غير المسجد.
وكذلك جعلها المالكية عامةً في مجامع المسلمين - كمصلى العيد, وحِلق العلم -.
وأما الفرق بين الجماعة الأولى والجماعة الثانية: فقد بيناه في الفتوى رقم: 35946.
والله أعلم.