الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالنرد هو ما ذكرت أنه يسمى بالزهر، وتلك صورة المكعب الذي يُرمَى به فيه, ويُسمى في بعض البلدان بلعبة الطاولة. وقد وردت أحاديث تدل على تحريم اللعب به منها حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ. رواه مالك في الموطأ وغيره. وروي أيضا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا. ومنها حديث بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ. رواه مسلم وأبو داوود وغيرهما.
وأما علة النهي فقد قال أبو الوليد الباجي- رحمه الله تعالى- في المنتقى شرح الموطأ مبينا علة التحريم: لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبًا؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَيْسِرِ يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مِنْ عَمَلِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَقَدْ عَلَّقَ الْبَارِي تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. اهــ.
وقال أيضا: لِأَنَّ اللَّعِبَ بِهَا يُؤَدِّي إِلَى الْقِمَارِ أَوْ الْحَلِفِ كَاذِبًا وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُؤَدِّي غَالِبًا إِلَى كَثِيرِهَا فَيَجِبُ حَسْمُ الْبَابِ. اهــ.
وجاء في عون المعبود في بيان علة التحريم: لِأَنَّ التَّعْوِيل فِيهِ عَلَى مَا يُخْرِجهُ الْكَعْبَانِ أَيْ الْحَصَا وَنَحْوه فَهُوَ كَالْأَزْلَامِ. اهــ .
وأي لعبة تكون فيها تلك المكعبات ويرمى بها فإنها من النرد فيما يظهر؛ لأنها كالأزلام، وربما جرت إلى القمار، أو إضاعة الصلاة ونحوه مما ذكره العلماء في علة التحريم.
والله تعالى أعلم.