الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللمرأة الحق في أن تختار من تهبها حصتها في المبيت بشرط موافقة الزوج على الهبة، فإن له حق الرفض، لأن المبيت حق مشترك بين الزوجين، قال ابن قدامة في المغني: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا، أَوْ لَهُنًّ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَى الزَّوْجِ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِذَا رَضِيَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ جَازَ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا. انتهى.
وهذا اتفاق بين الفقهاء، كما في الموسوعة الفقهية الكويتية، ولحديث عائشة في البخاري: أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ.
فإن وافق على التنازل فليس للزوج جعل ليلة الواهبة لغير الموهوبة من نسائه: قال الدردير في الشرح الكبير: وتختص الموهوبة بما وهب لها حيث رضي الزوج، وليس له جعلها لغيرها. اهـ
قال زكريا الأنصاري الشافعي في المنهج: ومن وهبت حقها فللزوج رد، فإن رضي به ووهبته لمعينة بات عندها ليلتيهما. اهـ
وقال ابن قدامة في المغني: وَإِنْ وَهَبَتْهَا لَوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفِعْلِ سَوْدَةَ. اهـ
وقال الكمال بن الهمام في فتح القدير: وَفَرَّعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ نِسَائِهِ وَإِذَا جَعَلَتْهُ لِضَرَّتِهَا الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا، لِأَنَّ اللَّيْلَةَ حَقُّهَا، فَإِذَا صَرَفَتْهُ لِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَ. اهـ
ولعل الأولى لك أن تهبي ليلتك لمن يميل إليها زوجك أكثر تأسيا بأم المؤمنين سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ لما تنازلت لعائشة ـ رضي الله عنهما ـ وهي أحب أزواج النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ إليه، فإن أبيت فننصحك أن تتوسطي بين الأمرين فتهبي ليلتك للبواقي كلهن دون تخصيص بواحدة بعينها، فإن ذلك أدفع للغيرة، إذ يكون نصيب كل منهن من المبيت عندئذ سواء، كما نحب أن ننبه إلى أن الواهبة لها الرجوع عن هبتها فيما يستقبل من الأيام، كما قررناه في الفتوى رقم: 222958.
والله أعلم.